حريق كنيسة العذراء في حي إمبابة الشعبي في القاهرة، شكّل صدمة لجميع الذين كانوا يعتقدون بأن الأزمات الطائفية في مصر مجرد شعار سياسي، ولعبة افتعلها النظام السابق. القصة بدأت بالبحث عن فتاة، ذُكِر أنها شخصية خيالية، وتدعى «عبير»، تزوجت من مسلم، واختفت، فتحول البحث عنها الى عنف قُتل فيه 12 شخصاً، وأصيب 232 آخرون، وضاعف القلق على حال الاستقرار في مصر. حرق كنيسة امبابة ليس الأول، وهو جاء بعد اقل من شهرين على حرق كنيسة في قرية اطفيح، شرق القاهرة، بعد مشادة بين مسلمين ومسيحيين. والسؤال هو: هل ما جرى قضية شرف أُلبِست ثوب الطائفية، ام احتقان طائفي حان وقت التعبير عنه؟ قضايا الشرف يعرفها صعيد مصر منذ مئات السنين، ولم نسمع في الماضي عن خلط قضايا الشرف بالدين، واستهداف كنائس ومساجد. الأرجح ان ما حصل من أحداث طائفية بعد اندلاع ثورة 25 يناير، هو تعبير عن احتقان مسيحي كُبِت منذ انقلاب 23 يوليو (تموز). لا أحد يستطيع ان يتجاهل مشاعر السخط والغضب التي تجيش في صدور الأقباط منذ سنوات، ويُعبَّر عنها في مواقعهم ومنتدياتهم، ويصعب تجاهل حقيقة ان حوادث الاعتداء عليهم، لم تُواجَه ماضياً وحاضراً برد فعل رسمي وشعبي حاسم وعادل، وكانت التحقيقات التي يُعلن عنها، بعد كل حادثة، تختفي بمرور الوقت، وتطوى صفحة الجريمة من دون حساب او عقاب. وفي الحادث الأخير شكك المسيحيون في جدية تولي الجيش حمايتهم. لا شك في ان التعامل مع حرق كنيسة امبابة باعتباره من تدبير «الثورة المضادة»، هو إصرار على تمديد تجاهل مشكلة الأقباط، وتكريس مشاعر الغبن لدى المواطنين المسيحيين الذين اصبحوا يعتقدون بأن النظام السياسي في مصر، سابقاً وحالياً، يتعامل مع الاعتداءات التي يتعرضون لها بغموض في التحقيقات، وتسامح غير مفهوم او مبرر. الأكيد ان التذرع ب «أعداء ثورة 25 يناير» ليس سبباً كافياً لإطفاء غضب الأقباط، وتبريد خواطرهم. لابد من موقف تُثبت فيه الحكومة المصرية ان حماية الأقباط هي جوهر حماية السلم الأهلي. يجب ان يشعر المسيحيون في مصر وغيرها من البلاد العربية بأنهم جزء اصيل من هذه الأمة العربية. لا بد من لجم تلك المشاعر المنحرفة والطارئة ضد المسيحيين، لا بد من حماية صورة الإسلام من التطرف والمتطرفين.