أعلن وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان أن النقاش حول العلمانية، الذي أجري الشهر الماضي، «يهدف الى جعل المسلمين يشعرون بارتياح أكبر في بلدنا، لأن العلمانية تعني احترام كل الأديان، والصعوبات التي يواجهها الإسلام ترتبط بكونه أكثر حداثة من بقية الأديان». وفصّل غيان في مؤتمر صحافي عقده مع وسائل الإعلام العربية في مقر وزراته، تصوره لطبيعة العلاقة بين العلمانية والأديان، وكيفية تجاوز الصعوبات التي يواجهها الإسلام نظراً الى علمانية الدولة. وحرص غيان على تبديد «الريبة» التي بدت في بعض الدول العربية و «ربما التخوف لدى شعوب» هذه الدول بسبب النقاش حول العلمانية، مؤكداً أنها «ليست ضد الأديان، بل مبدأ حرية للمؤمنين وحياد للمسؤولين العامين». وأوضح أن مضمون العلمانية محدد بدقة، منذ صدور قانون عام 1905 الخاص بفصل الدين عن الدولة التي «تؤمن حرية الضمائر ولا تعترف بالأديان، بل تضمن حرية ممارستها». لكن العلمانية التي وصفها بأنها «مبدأ هيكلي لحياتنا السياسية والاجتماعية» قلصت الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة لمساعدة المسلمين على حل المشاكل التي يواجهونها، خصوصاً أن عددهم لم يكن يتجاوز أربعة آلاف عام 1930، في حين بات يراوح بين 5 و6 مليون شخص اليوم، بينهم حوالى مليون يمارسون شعائرهم الدينية، ما جعل الإسلام الدين الثاني بعد الكاثوليكية. وأدى هذا التزايد الى مجموعة من المشاكل المتراكمة والمتصلة بممارسة المسلمين لدينهم، ومنها تأمين المساجد وتنظيم الأوقاف وأداء الشعائر، إضافة الى إعداد الأئمة الذين أكد غيان «أنهم يجب أن يتشبعوا بثقافتنا وقوانينا». وعرض غيان السبل المتعددة لتوفير المساجد، من دون تمويل مباشر من الدولة، ما أدى الى بناء ألف مسجد جديد خلال السنوات العشر الماضية، وبات عددها اليوم ألفي مسجد. وأشار الى أن الصلاة في الأماكن العامة «ظاهرة محدودة، لكنها تصدم مواطنين كثيرين لأسباب عدة، منها انتهاكها مبدأ العلمانية في الأماكن العامة، كما أنها لا تليق بالمسلمين، لذا لا بد من حلول ومزيد من المساجد»، لافتاً الى إمكان إقامة مساجد موقتة في مبان غير مستخدمة. وأقرّ غيان بأن موضوع تمويل بناء المساجد يلحق «عدم مساواة تاريخية بين الإسلام والأديان الأخرى الأقدم في فرنسا»، فقبل قانون عام 1905 «كان يمكن إنشاء أماكن عبادة بأموال عامة، أما اليوم فلا يمكن للدولة أن تقدم فلساً واحداً لبناء كنيسة مثلاً». وكشف عزمه إنشاء مجالس للحريات الدينية في المناطق الفرنسية، «كي تؤخذ الحريات الدينية بالاعتبار بطريقة ملموسة، لأن المجالس الإقليمية المنبثقة عن المجلس الفرنسي للديانة المسلمة، تواجه صعوبات في حل عدد من المشاكل، ومنها موضوع المدافن». وحرص غيان على القول إن فرنسا تحرص «على عدم الخلط بين المسلم والأصولي والإرهابي»، وأن «لا تعامل مع الإسلام مختلف عن سواه من الأديان» وأن سياسة الحكومة تقضي بتمكين «جميع المؤمنين من ممارسة دينهم بكرامة» وأن «يحترم غير المسلمين ذلك، والتشنج الذي شهدناه يجب تبديده ليعيش الكل بسلام وانسجام». وتطرق غيان الذي شغل خلال السنوات الماضية منصب الأمين العام للرئاسة، واعتبر من مهندسي الانفتاح الفرنسي على سورية، الى الاحتجاجات التي يشهدها هذا البلد، بالقول إن مكانة سورية الاستراتيجية، بررت هذا الانفتاح الذي ارتد إيجاباً على صعيد الوضع في لبنان، لكن القمع الذي يعتمده النظام السوري في حق المحتجين «خط أحمر لا تقبله فرنسا». وعن مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن وما يترتب عليه بالنسبة الى فرنسا، قال إن «التهديد الإرهابي موجود منذ سنوات» في فرنسا وسواها، وأن «اليقظة مطلوبة الآن أكثر من أي وقت، لأن بن لادن كان مصدر وحي ولم يكن وحده وأتباعه يرغبون بالانتقام، ولذا فإن فرنسا مهددة». وحول تصاعد شعبية زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) مارين لوبن، لفت غيان الى أن هذه الشعبية «تقلقني ولا تمنعني من النوم» ومن الأفضل للأحزاب أن «تتحمل مسؤولياتها وتطرح الأسئلة المتوجبة بدلاً من حمل الناخبين على الارتماء الى جانب حزب لا علاقه له بقيمنا».