حلّ الخميس الأخير من نيسان (أبريل) الماضي من دون أن يعبث المصريون بعقارب الساعة التي كانت تُقدَم رغم أنوفهم ستين دقيقة معلنة بداية التوقيت الصيفي، فيستمر حتى الخميس الأخير من أيلول (سبتمبر). وعلى رغم الطابع الرسمي لذلك الإجراء، إلا أنه غالباً ما استفزّ كثيراً من المصريين، واعتبروه غير مبرر. وبرز حجم ما تمثله هذه القضية من توتر نفسي للمصريين، عبر ارتباطها بفكرة القمع من جانب حكومات غالباً ما وصفت نفسها بأنها رشيدة وتعرف مصلحة شعبها أكثر منه! وبعد «ثورة 25 يناير»، أعرب الشارع المصري عن رفضه لتطبيق التوقيت الصيفي. واستجاب مجلس الوزراء له، فألغى التوقيت الصيفي، مشيراً إلى ثبوت عدم جدوى التوقيت الصيفي في توفير الطاقة الكهربائية، إضافة إلى أنه يسبب اضطرابات في مواعيد حركة السفر والوصول في المطارات. وفي هذا السياق، صرّح الدكتور أحمد السمان، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء أخيراً، أن استطلاعاً للرأي حول إلغاء القانون شارك فيه 7 آلاف شخص، أظهر أن 90 في المئة منهم مع إلغاء التوقيت الصيفي، مُضيفاً أن بعض هؤلاء أشاروا إلى تأثير هذا التوقيت على الساعة البيولوجية للجسم وهي التي تحدّد مواعيد النوم واليقظة عند كل فرد. البداية من رئيس أميركي تعود فكرة التوقيت الصيفي إلى العام 1874، حين طرحها الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين الذي كان مولعاً بالعلوم. ولم تطبق فكرته إلا عام 1941. وبدأ الأمر في ألمانيا وتبعتها بريطانيا، سعياً للتغلب على مشكلة نقص الطاقة. وطبق التوقيت الصيفي في مصر في العام نفسه، عندما صدر الأمر العسكري بتقديم التوقيت 60 دقيقة في فترة الصيف حتى 15 أيلول (سبتمبر). ثم ألغي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأعيد العمل به سنة 1957. ثم أوقِف في 1959. وجُدّد في 1982. وألغي في 1985. ثم أعيد في 1988. وغيّرته الثورة أخيراً! وأُقر التوقيت الصيفي في البداية بسبب نقص في إنتاج الكهرباء من السد العالي. وأُعطي مجلس الوزراء الحق في إقراره ووقفه، بحسب الضرورة. وحاز التوقيت اهتماماً كبيراً كلما حلّ رمضان في فصل الصيف. وبلغ أمر الاعتراض على التوقيت الصيفي ذروته العام الماضي، إذ تأرجحت عقارب الساعة تقدماً وتأخراً أربع مرات في غضون شهرين بسبب حلول شهر رمضان في منتصف الصيف. وعلى رغم أن تطبيق التوقيت الصيفي في شهر رمضان كان بسبب الرأفة بالصائمين، إلا أنه لم يكن مقبولاً بسبب توجّس المواطن من الدولة بوجه عام. وجرت العادة أن يعلّل خبراء الاقتصاد والتخطيط نظام التوقيت الصيفي، بالرغبة في تخفيض استهلاك طاقة الكهرباء، والاستفادة من ضوء الشمس الذي تتمتع به مصر لأطول فترة ممكنة. إلا أن غالبية المصريين كانت ممتعضة منه، لأنها ترى في مقابل ذلك أن أعمدة إنارة الشوارع تضاء نهاراً من دون تفكير في ما يشكله هذا من تبديد لطاقة الكهرباء! ومن الطريف أن سيكولوجية الشعب المصري الرافضة للقرارات والقوانين الحكومية قبل الثورة، كانت تدفعهم لتسيير أمور حياتهم اليومية بعيداً من التوقيت الصيفي أو التوقيت الحكومي، فكان المصريون يتفقون في مواعيدهم الودية غير الرسمية على التوقيت الأصلي. وكثيراً ما كنا نسمع الأصدقاء يقولون، عند ترتيب نزهاتهم أو سهراتهم أو ندواتهم: «هانخلي موعدنا السابعة مساء وليس السادسة، لأننا في التوقيت الصيفي»! ساعة الجسد بيولوجياً معروف أن دراسات عدة أثبتت أن الساعة البيولوجية للإنسان لا تتغير بتغيير التوقيت. وفي دراسة حديثة أُجريت في ألمانيا، وشارك فيها نحو 55 ألف شخص، تبيّن أن تغيير التوقيت صيفاً وشتاء، يشكل عبئاً كبيراً على المنظومة البيولوجية للإنسان بأكثر مما كان معروفاً حتى الآن. وأجرى علماء في «جامعة لودفينغ ماكسيمالين» في مدينة ميونيخ دراستين شملتا نحو 55 ألف شخص بهدف دراسة تأثير تغيير الوقت على الساعة البيولوجية للجسم. وراقب القائمون على الدراسة حركات النوم لدى المتطوعين على مدار ثمانية أسابيع شملت الفترات التي يتم فيها تغيير التوقيت. وجرى قياس نشاطات المتطوعين وحركاتهم، باستخدام سوار يوضع في اليد طوال الأسابيع الثمانية. وأوضح أحد المشرفين على الدراسة في تصريحات نشرتها مجلة «فوكوس» الألمانية على موقعها الإلكتروني، نتائج الدراسة قائلاً: «على عكس دراسات سابقة، بحثنا سلوك النوم لدى المتطوعين في العطلات وأيام العمل بشكل منفصل، لأننا كنا نرغب في متابعة عمل الساعة البيولوجية، بعيداً من آثار التوقيت المفروض اجتماعياً». كما أوضحت الدراسة أن الساعة البيولوجية للجسم لا تتغير مع تغيير التوقيت الصيفي، إلا بمقدار طفيف غير مؤثّر عملياً. ولاحظ الخبراء أنه حتى عندما يدق المنبه تبعاً للتوقيت المستجد صيفاً، فإن المشاركين لا يصبحون بكامل لياقتهم المعتادة ونشاطهم في الحركة، إلا بعد ساعة كاملة. وأرجع الخبراء هذا الأمر إلى أن الساعة البيولوجية لم تتغير مع تغيير التوقيت الصيفي، كما كان يعتقد من قبل. وأوضحت الدراسة أيضاً أن الساعة البيولوجية نظام معقّد للغاية، يعمل بترابط دقيق مع إيقاع الليل والنهار. ومن الواضح أن القضية بالنسبة إلى المصريين لم تكن بيولوجية، بقدر ما هي قضية سيكولوجية سياسية تتعلق بالنظام السابق.