«مارادونا ضد بوش» مشهد أنجزه المخرج الصربي أمير كوستوريتسا عام 2007، في فيلمه الوثائقي عن الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، كأيقونة للبشرية وليس فقط لكرة القدم، ويحاول الفنان السوري عمار البيك (39 سنة)، من خلال عمل تركيبي معاصر حمل الاسم، تضخيم لعبة فيلم كوستوريتسا (انطلاقاً من فوز الأرجنتين في مونديال 1986) ساخراً بدوره من الدول العظمى، ليخلص إلى لعب فني ذي معنىً سياسي. فهو يرسم في معرضه التركيبي «تسريبات نفطية»، مخططاً فنياً حول الولاياتالمتحدة الأميركية، والتوسع الجيوسياسي المخيف عسكرياً لها في المنطقة العربية بحسب منطق أعماله. ويبدأ الفنان حملته على أميركا ببثّ الرعب، لحظة دخول المرء صالة غاليري «الأيام» في دمشق (يستمرّ المعرض حتى آخر أيّار/ مايو)، في عمل «لا للحرب من أجل النفط» إذ تُوجّه أنابيب «تعبئة البنزين» بلونها الأسود إلى الأعلى وكأنها رشّاشات. ولا ينفصل العمل التركيبي في تجسيمه حالةَ الخوف من الحرب، عن صوت تراجع تلك الأدوات إلى الأسفل، وقد ألصَقَ على الهيكل الضخم شعارَي حزبَيْ أميركا، الديمقراطي والجمهوري. وبين ذاكرة جماعية لجيل عربي شابّ لا ينسى صورة البطل الخارق «غريندايزر»، وكون هذا الجيل دائماً «في انتظار غريندايزر/ عمل تركيبي آخر»، يصنع البيك في فيلمَي «فيديو آرت» صورة لمأساة الذاكرة مع مدينتَي هيروشيما وناغازاكي (1945)، وأخرى لمدينة بغداد بعد الحرب الأميركية على العراق (2003). أي أنه في كلتا الحالتين (الفيلمين) يشير إلى مذنب واحد هو أميركا، مع مرافقة موسيقى شارة المسلسل الياباني المُنتَج في سبعينات القرن الماضي. هذه الفحوى الكرتونية في الأعمال، تسخر على نحوٍ لاذع من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، لا سيما في وضع صورته الشهيرة مع مساعده أندرو كارد هامساً في أذنه صبيحة 11 أيلول (سيبتمبر) 2001: «أميركا تتعرض للهجوم». وفي هذا العمل «مارادونا ضد بوش» يولي الفنان أهميةً لتضخيم السخرية من لعبة العنف، بإرفاق أغنية جنسية شعبية (بلكنة عامية مصرية)، تصف حالة رجل مع عجزه الجنسي لدى مقابلته امرأة فاتنة، واستعمل جمود أنبوب الوقود عن الحركة، كدلالة على الإخفاق في ضخ النفط وخسارة أميركا اللاحقة اقتصادياً. ورسخت حالة العجز مع لصق صفحات من كتاب مذكرات جورج بوش (2010)، الذي اعترف فيه بقراره الخاطئ في الحرب على العراق. هل حقاً «ويكيليكس» هي «تسريبات مخادعة»؟ يحشو البيك مجسماً للعلم الأميركي بقصاصات وكأنها الوثائق المكتشفة، ولا يترك مجالاً للشك في أن ولاعة السجائر، هي رغبة في إحراق الوثائق، ويستفيد من الكلمة الإنكليزية « «Trickyleaks في صنع حروف معدنية تخفي تحتها الجزء الإسرائيلي من اللعبة؛ ويكمل بوضع دمية ببغاء ملونة، كرمز للبروباغندا الإعلامية المتفشية. العمل الخامس «تعثّر صانع البراميل»، ليس سوى صهريج نفط وشاشة تتحرك مع اتهامٍ أطلقته المغنية مادونا في نهاية أغنيتها «American Life»، عندما ترمي بقنبلة إلى الجمهور، وقد منع ألبومها في أميركا عام 2003، لسخريته من العنف على العراق، واستهتاره بقرار بوش. تترك «تسريبات نفطية» فراغاً كبيراً، لسؤال يُطرَحُ الآن، في الدول العربية، لكنها أجابت بمفهوم آخر في العمل الأخير الذي يُمثّل صوتاً تونسياً لأم محمد أو (طارق) البوعزيزي، التي سمعها العالم كله على قناة «العربية»، أول هذا العام، وهي في حالة نواح على ابنها ومعيلها، بعد عبور قصة رمز الثورة إلى العالمية، وكأن المسبب الرئيسي، بحسب وجهة نظر المعرض، في هذا هو أميركا، التي أصبحت اليوم شمّاعة للهموم العربية، بنسرها الأصلع، وحذاء المارينز العسكري. في الجهة الأخرى من المعرض الثنائيّ، هناك «دقيقة صمت»، وهو عمل تركيبيّ وحيد للمُصوّر السوري نصوح زغلولة (حاز عام 1987 ماجستير الاتصالات الفوتوغرافية والبصرية من المدرسة الوطنية العالية للفنون الزخرفية في باريس)، خمس صور (بالأبيض والأسود) لبيوت وأزقّة من دمشق القديمة، وضع تحتها ما يشبه الرصيف، وقد غُرِست فيه بعض الورود الحمراء المسودة والنازفة. لم يفسر نوع الحزن في هذا العمل، سوى من خلال عنوانه، لكن تصميمه بدا جنائزياً كئيباً، أمام ست صور أخرى لموديل عار، يتراقص ويتغاوى تحت عنوان «بط محمر» أو «موجات». التقط فنان الأيام مجموعة صور التعري عام 1985، في باريس، وخلّصها تحت مُسمّى «نشوة» من حالتها الكلاسيكية العادية الملتقطة بكاميرا تقليدية، فمطّ الجسد، أو ألحقه بمعالجة تقنية ليصبح كخيط رفيع أبيض، في تشابه كبير بين هذه الخطوات البشرية والفراغات في الأبنية الدمشقية التي تخرج ضوءاً للمارة، يسيرون فيه، أو تلتئم فتُحدِث عتمةً كبيرة، في وضح النهار.