قرأت قبل فترة خبراً يعود إلى العام 1915، حين أقدم إدموند لافوريست، أبرز كاتب في تاريخ جزيرة هاييتي على الانتحار بأسلوب مختلف تماماً، فقد ربط إلى عنقه نسخة ثقيلة من قاموس لاروس الفرنسي، وألقى بنفسه من أعلى الجسر، لينتهي جثة هامدة.. احتجاجاً على السلوك العنصري الذي يعامل به أبناء جلدته في العديد من المستعمرات.. وبعد حوالى قرن من هذه الواقعة المرة، خرج على الناس مسيرو الكرة الفرنسية بطرح أقل ما يقال عنه أنه وضيع ومنبوذ، يتمثل في اقتراح تخصيص حصص للبيض والملونين في مراكز تكوين لاعبي كرة القدم الفرنسية، ففي تصوّر هؤلاء أن هناك طغياناً للملونين على حساب ذوي العيون الزرقاء، واستعادوا بذلك مقولة المتطرف جان ماري لوبان الذي قال بأن الذين فازوا بكأس العالم 1998 لم يكونوا قادرين على حفظ كلمات النشيد الفرنسي، أي أن منتخب الديكة لم يكن في حقيقة الأمر سوى تشكيل من أبناء المستعمرات القديمة، في أفريقيا والجزر المنتشرة في المحيطات. المفارقة، أن المقترح لم يأتِ من الإدارة الفنية لكرة القدم الفرنسية، إنما تعززت برأي مؤيد من المدرب لوران بلان، أي لوران الأبيض، وهي الفضيحة التي كشفت عن التفكير العنصري الذي يسعى إلى إقصاء عشرات الملونين الذي لو انسحبوا من أندية فرنسا، فإن ملاعبها ستغلق، وتتحول إلى مزارع للخس والطماطم. الفرنسيون يعرفون أن إحرازهم كأس العالم، ما كان ليكون، لولا وجود لاعبين من طينة تورام وتريزيغي وهنري وزيدان ودوسايي وكاريمبو وفييرا، وأنهم بغير هؤلاء اللاعبين الموهوبين سيكونون صفراً على الشمال.. ويعرفون أيضاً أن مجرد التفكير في عدم الاستعانة بأبناء المهاجرين من الجيل الثالث أو الرابع يعني أن فرنسا تكتفي بدور المتفرج على غيرها ممن تجاوزوا عقدة اللون، مثل ألمانيا التي لعبت كأس العالم الأخيرة، وفي صفوفها عشر جنسيات.. ولم يطالب المتشددون في ألمانيا بطرد أوزيل وخضيرة ودوبولسكي. حجة هؤلاء الفرنسيين المطالبين بوضع حصص، هي أنهم ليسوا مستعدين لتكوين لاعبين من الطراز العالي ليلتحقوا بعد فترة قصيرة بمنتخباتهم الأصلية، خاصة بعد القنبلة التي فجرها محمد رواروة في مؤتمر الباهماس، القاضية بالسماح للاعبين، الانضمام لمنتخبات بلدانهم الأصلية، إذا لم يتجاوزوا سن ال23 ولو لعبوا لمنتخبات البلد المضيف، أو الذي يحملون جنسيته. ولعل هذا هو الدافع إلى التفكير بمنطق إقصاء الملونين، والدليل أن كثيراً من وسائل الإعلام الفرنسية اتصلت بروراوة تطلب رأيه في فضيحة تقليص حضور اللاعبين من غير أصل فرنسي في مراكز التكوين، لكنه رد بأن المسألة فرنسية داخلية، ولا تعنيه.. وجاء كلام اللاعب الجزائري الواعد رياض بودبوز صريحاً، حين قال بأنه منذ صغره، لم تكن له من أمنية سوى اللعب لمنتخب بلاده الجزائر، بينما ينتظر لاعبون آخرون، من أصول عربية وإفريقية، دعوة من لوران بلان، ومع انكشاف أمره، فليس أمام هؤلاء اللاعبين إلا أن يدقوا أبواب بلدانهم، فذلك أكرم لهم وأفيد. وأما الذين فكروا في وضع حصص إقصائية، في زمن العولمة، فليس أمامهم إلا أن يهاجروا إلى كوكب غير مأهول بالسكان، ويعتمدوا الهندسة الوراثية، فربما أنجبوا أحد عشر لاعباً تسري في عروقهم دماء جان دارك.. ويشاركون في كأس العالم.. 2098. [email protected]