يقول الخبر الأول الذي أعدته الزميلة «ياسمين الفردان» ونُشر في «الحياة»: «تقدمت الناشطة الاجتماعية ومنسقة حملة «بلدي» فوزية الهاني، صباح أمس، (أكتب هذه المقالة يوم الاثنين) للمحكمة الإدارية العليا في الدمام، بدعوى قضائية ضد وزارة الشؤون البلدية والقروية، اعتراضاً على منع المرأة من المشاركة في الانتخابات، والحصول على بطاقة ناخب، خلافاً لما نصت عليه المعاهدة التي صادقتها ووقعت عليها السعودية عام 2000، ضد تمييز عدم مشاركة المرأة في الانتخابات». الخبر جميل ولا شك، ويدل على أن المرأة في السعودية لم تعد تنتظر من الرجل السعودي الانتصار لها وبذل الجهد لانتشالها من التهميش والتجاهل اللذين ظلا صديقين صدوقين لها منذ تفوق فكر الصحوة المتشدد على غيره من الأفكار المعتدلة في السعودية في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي. لم تعد المرأة تراهن كثيراً على دعوات التنويريين والليبراليين والعصرانيين والحداثيين، تلك الدعوات التي ظل صداها يتردد زمناً طويلاً في المجالس الاجتماعية والإعلام، لكن من دون تأثير يُذكر بسبب الصدمة الثقافية العميقة التي تمكن رواد الصحوة - وحدهم - من إحداثها في جسد المجتمع الذي ترك بدائيته للتو ودخل في عالم متمدن متعصرن. عرفت المرأة أخيراً أن التنويريين الذين لم يستطيعوا تقديم أنفسهم بشكل مؤثر في المجتمع السعودي خلال ال «30 عاماً» الماضية لن يكون بمقدورهم إنصاف غيرهم وحمل مظلوميته إلى واجهة الحلول، لذلك بدأت النساء في الفترات الأخيرة في رسم طريق واضح المعالم بهدف الوصول إلى نقطة الانعتاق من ذكورية الرجل المستبد والمفسر للنصوص التراثية والدينية بالشكل الذي يتناسب وعاداته وتقاليده. فوزية الهاني انتصرت لنفسها، وأظن أن الوصول لنقطة الانعتاق النهائية تحتاج لصوت مئات الآلاف من «الفوزيات»، وهن قادرات بلا أدنى شك على إحداث فارق في العقلية الاجتماعية المحلية من خلال تقديم أنفسهن بأنفسهن والاعتماد على قدراتهن الذاتية بدلاً من تعليق مظلوميتهن على أجنحة رجال الدين حيناً، وأجنحة رجال القبيلة حيناً آخر. جميل هذا الخبر، لكن الأجمل منه ربط فوزية الهاني مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية بتوقيع المملكة ومصادقتها في العام 2000 على معاهدة عدم التمييز ضد المرأة في الانتخابات. فوزية اختارت أن تحل قضيتها وقضية بنات جنسها، المتمثلة في حرمانهن من المشاركة في الانتخابات البلدية، على طريقة «الهبوط من الأعلى يكشف ما في الأسفل». وأظن أن قضاءنا العادل لن يسير في طريق معاكس لما تسير عليه الدولة السعودية المدنية في علاقتها مع المنظمات المدنية العالمية. فوزية اختارت الطريق القصير الموصل إلى الحل، وبقي على بنات حواء السعوديات سلك الطريق القصير نفسها: الهبوط من الأعلى يكشف ما في الأسفل. ويقول الخبر الثاني الذي نشرته صحيفة «عكاظ»: «قادت عمليات حفر لإنشاء مجمع سكني في حي الدويمة في قباء (جنوبي المدينةالمنورة)، إلى اكتشاف 37 قبراً في أرض باعتها أمانة المدينة قبل أربعة أعوام على هيئة زوائد تنظيم، ما دفع المقاول لجمع رفات الموتى والإبلاغ عما نبشت عنه معدات الحفر. ووفقاً لتقرير أعده الزميل ماجد الصقيري، هرعت لجنة عاجلة وجه بها مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مكونة من المحكمة العامة والأمانة إثر بلاغ تقدم به أهالي الحي إلى هيئة الأمر بالمعروف بمجرد مشاهدتهم للرفات والعظام، أكدوا فيه اعتراضهم السابق على عملية بيع الأرض لصالح مجمع سكني، كونه تواتر لديهم أنها مقابر أسلافهم، إلا أن الأمانة تجاهلت مطالبهم، وأتمت المبايعة». جميل هذا الخبر، وأجمل ما فيه سرعة تكوين لجنة «الحلول» ومباشرتها للقضية بعد أن «هُرعت» خلال أيام قليلة إلى موقع الحدث. جميل وأجمل، لكن الأجمل أو «أجمل الجميع» هو تنبه أهالي الحي إلى أن مشكلاتهم وقضاياهم الاجتماعية والعمرانية والبيئية والأمنية لن تتشرف بالالتصاق بالفعل الجميل «هُرعت» إلاّ عندما تُقدم الشكوى إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! أهالي الحي يعرفون أن «الهبوط من أعلى يكشف ما في الأسفل»، لذلك اختاروا التوجه مباشرة إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنهم يعرفون أن هذه الهيئة الفاعلة والنشيطة والمخلصة والقادرة والمؤثرة ستوصل صوتهم بشكل سريع إلى الجهات التنفيذية، على عكس الجهات الأخرى ذات العلاقة مثل الأمانة أو الشرطة أو حتى المحكمة العامة نفسها التي قد يستغرق تجاوبها مع الشكوى وقتاً طويلاً يسمح للمقاول باستخدام جماجم المدنيين الأوائل أساسات لبنايته الجديدة! الكثير من الناس أدركوا أخيراً أن الاتصال بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحل مشكلاتهم الاجتماعية والأمنية والاقتصادية وحتى الرياضية المعلقة هو «هبوط من الأعلى يكشف ما في الأسفل»، خصوصاً أن التنظيم الداخلي المتطور جداً والدقيق جداً في الهيئة لا يرفض أي شكوى مقدمة له، عملاً بالمبدأ الذي ينص على إغاثة الملهوف بصرف النظر عن لون شكواه ورائحتها. الكثير من الناس في السعودية وجدوا في الهيئة طريقاً سريعاً ومختصراً لحل مشكلاتهم، واستغنوا بذلك عن وجود باقي الهيئات والإدارات الحكومية التي تؤمن بالروتين والبيروقراطية فيما تكفر الهيئة بهما وتزيد على ذلك بكفرها أيضاً بإحالة الشكاوى والقضايا إلى جهات الاختصاص! الهيئة صارت مجمعاً تكاملياً متنوع الاختصاصات، يخدم المواطن بصرف النظر عن نوعية مطلبه وحاجته، وإنني اقترح على الزميلة الكريمة فوزية الهاني أن تذهب إلى الهيئة لعرض تظلمها إن لم تبت المحكمة الإدارية العليا في الدمام في قضيتها خلال أسبوع من الآن! * كاتب وصحافي سعودي. [email protected]