تركزت في وسائل الاعلام بعض الأخبار والتحليلات حول بعض الأخطاء والسلوكيات غير المرضية للرأي العام والصادرة عن بعض الأفراد التابعين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتلك الأخطاء السلوكية غير المدورسة وغير المبررة اظهرت سمعة سيئة غطت على مميزات أخرى حسبت لجهود الهيئة سابقا وهذه السمعة الإعلامية السيئة لا تصب في مصلحة سلك الهيئة كاملا. فتظهر الهيئة في إحدى الصورتين:إما صورة ضيقة النطاق تنحصر في جهودها للكشف عن محلات الدعارة والخمر و القبض على المتحرشين بالنساء ومروجي الأفلام، أو صورة اتسع نطاقها حتى يكاد ان يوازي الأفق قد رسمت بريشة الإعلام الذي يصطاد الأخطاء ثم يعيد صياغتها حتى ترسم في أذهان المتلقين على انها منهجية ذلك السلك الديني: فهو لا يجيد التعامل بلباقه مع العامة ولا يخاطب العقليات والثقافات البشرية المتنوعة مما يوافق تقبلها للهيئة، لأنه لا يجند سوى انصاف المثقفين وأشباههم فلا ينظرون للناس سوى بنظرة الشك، كما أن هذا السلك لايبذل جهده للأندماج والتحديث مع "الزمكنة"، أسلوب منسوبية موحد في جميع انحاء المملكة يتعمد على صياغة الأمر والنهي بأصوات جهورية غليظة، لا تعرف الابتسامة العريضة وجوههم ولا ينظرون الى النساء الا بإزدراء فتراهم يلاحقون الأجنبيات ليسارعون بنصحهن قبل أن يصرخون في وجوه المخالفات من المواطنات، شكوكهم تسبق حسن نياتهم دائما! أصبح أمر الإعلام غريباً تزداد غربته كلما زادت أو قلت،على حد سواء الممارسات الخاطئة الفردية لبعض أفرادها،مما أوحى للمجتمعات ان الهيئة جهة مفروضة، متضاربة الملامح متقوقعة على نفسها لاتخرج للناس سوى برائحة الترهيب والتشهير بعورات أناس من أجل آخرين، فيفر كل من يرى أعضاءها وينأى جانبا سواء كان خوفا ام كرها، فاتسعت الفجوة بين هؤلاء وأولئك. نعلم يقينا أننا خير أمة أخرجت للناس ليس بسبب اعتماد الحكومة إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،أوكلت إليها مهمة الأمر بالمعروف بالمكروفونات والنهى عن المنكر بمطاردة الناس، ولكن من الخطر أن يفهم بأننا قد أعفينا كأفراد من النهي عن المنكر أو الأمر بالمعروف فهذا جزء كبير من هويتنا الدينية، فوجود هيئة دينية لا يلغي التزامنا الديني ووقوعها في أخطاء لا يبرر بالغاء ما تقلدناه من مهة ربانية. كثير ممن حمل القلم لينتقد الوضع المحلي لا يعلم ان الغرب أيضا لديه هيئات شبيهة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر عندنا، تخطئ وتصيب تقبلها فئات وتحاربها فئات اخرى!فالرئيس الامريكي السابق كلينتون قد أمر بتكوين "الهيئة الوطنية الاستشارية لإحياء القيم الأخلاقية" في امريكا ومن اهم اعمال تلك اللجنة الاهتمام بالقضايا الاخلاقية، وكان استغلال النساء في الافلام الاباحية بكندا سببا للقيام بمظاهرات بإغلاق المحلات التي تسوق للتلك الاشرطة لأنها تحط من مكانة المرأة وقد أسست الحكومة الكندية فريقا من الشرطة عرف باسم شرطة الاخلاق لمحاربة الرذيلة والمخدرات، وقد ذكرت صحيفة لندن تايمز ان البوليس البريطاني يلقي اللوم على الفتايات اللواتي يتقدمن بشكاوى الاغتصاب لأنهن يعرضن مفاتهن ولم يتبعن تعليمات الشرطة: كالاحتشام في اللبس، وعدم الجلوس في الطابق العلوي للحافلة اذا كانت خالية والحرص على الركوب قريبا من السائق،وكان هذا الرأي قد قالت به محامية اميركية قبل 30سنة حينما انتشرت ظاهرة الاغتصاب في المجتمع الأمريكي وطالبت النساء بعدم الخروج الا مع احد الاقارب! اما اليابان فقد أوجدت لبعض فرق الشرطة أكشاكاً صغيرة مهمتها تحقيق الامن للافراد. إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية مؤسسة للإصلاح المجتمعي تتعدى مهماتها مجرد الوعظ والارشاد الى ماهو ابعد من ذلك فهي مسؤولة عن تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع بالضبط الديني والامني والاجتماعي، لأن وجودها يساعد في منع الجريمة وتمدد الانحراف وشيوع الانحلال، فقد أثبتت الدراسات الاجتماعية التي أجريت في المملكة ان 70% من الجرائم الاخلاقية تم ضبطها عن طريق الهيئة وليس عن طريق الشرطة. سلك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس ملائكياً انما بشري يخطئ ولكن عليه الاستفادة من أخطائه تجديد سياسات التعامل مع الناس واعادة النظر في توظيف المشاركين فيه ليشمل الاخصائيين التربويين والمحامين القانونيين والاستشاريين الاعلاميين والمرشدين الدينيين الذين يتقنون لغات أخرى، فلا بد له من بذل جهده كي تتقبله كل اطياف المجتمع كصديق ليقبل عليه المخطئ قبل أن يتجه اليه مقدم الشكوى ويبحث في انجازاته الباحثون قبل ان تنتقد أخطاءه أقلام الباحثين أيضا، فلم أر حملات اعلانية نشطة دورية من قبل هذا السلك تنهج نحو المجتمع بمقولة "كن صديقي" أو "معا يدا بيد نحو مجتمع مثالي" أو مشاركته في الأنشطة التوعوية الصحية والرياضية والطلابية التي تستهدف فئة الشباب والشابات أولا، أو دخوله للجامعات ودعمه للأنشطة الدينية والثقافية والعلمية في مساجدها واعطائه لمحاضرات يعرف الجمهور من خلالها بهويته الشخصية كاملة أو حتى يدير الحوارات المرحة للتعرف على طموح الفئة المقبلة وقراءة وجهات النظر ومعرفة الطبائع الشابة كي يتم محاكاتها بما يجعلها تتقرب الى الخير وتنادي بالفضيلة بكل اعتزاز،أو رعايته الأنشطة الخطابية لتوعية الغرباء القادمين للبلاد لأول مرة او محاورتهم لاجتثاث الصور السلبية تجاه هذا السلك.