يبدي الفلسطينيون اهتماماً كبيراً باتفاق المصالحة بين «فتح» و «حماس»، ومن بين بنود الاتفاق الكثيرة يحظى اسم رئيس «حكومة التوافق» بالنصيب الأكبر من هذا الاهتمام. ولا يكاد يخلو حديث بين شخصين أو أكثر في الشارع الفلسطيني من تكهنات في شأن هوية رئيس الحكومة، والتغيرات التي سترافقه، سلباً أو إيجاباً. ورفعت مطالبة القيادي في حركة «حماس» محمود الزهار بأن يكون رئيس الحكومة المقبل من قطاع غزة درجة حرارة النقاش الذي يشغل الشارع والنخب السياسية على السواء. ومنصب الرئيس هو المنصب الأعلى والأهم في السلطة الفلسطينية، لكن منصب رئيس الوزراء بدأ يحتل أهمية كبيرة منذ الانتخابات العامة الأخيرة التي أجريت عام 2006، وفازت فيها حركة «حماس»، إذ قاد ترؤس أحد قادتها (إسماعيل هنية) الحكومة الى توقف المساعدات الدولية ما أدى الى حدوث أزمة مالية وتوقف رواتب الموظفين بصورة شبه كلية لمدة عام ونصف العام. واكتسب منصب رئيس الحكومة أهمية أكبر بعدما تولاه سلام فياض عقب الانقسام أواسط عام 2007، إذ عمل فياض ليس فقط على حل المشكلة المالية المستعصية وإدارة الحكومة بكفاءة عالية، وإنما عمل أيضاً على إعادة تجديد المشروع الوطني الفلسطيني الذي شهد أزمة حادة بعد إخفاق الأدوات التي استخدمتها منظمة التحرير والحركات الإسلامية على حد سواء في الوصول الى الدولة المستقلة. اعتمد فياض مقاربة جديدة قامت على فرض حقائق الدولة على الأرض، والعمل في المناطق المحظورة إسرائيلياً مثل القدس والمنطقة (ج). وقدم نموذجاً جديداً للشخصية السياسية يقوم على المبادرات الجديدة في الخدمة العامة والعمل الميداني مع الجمهور، خصوصاً في المناطق المهمشة والمستهدفة من قبل الاستيطان. وأثار هذا النموذج اهتمام الكثير من المراقبين المحليين والدوليين الذين أخذوا يطلقون على أسلوبه «الفياضية». وأثار النجاح الذي حققه فياض غيرة وعداء الكثيرين في الطبقة السياسية، خصوصاً في الفصائل الرئيسية مثل «فتح» و «حماس». ويرى مراقبون أن قادة الحركتين سيسعون في المرحلة المقبلة للتخلص من فياض الذي يعتبرونه منافساً شخصياً. غير أن فياض يحظى بقبول شعبي واسع يجعل إقصاءه أمراً ينطوي على مخاطرة. فهو من جهة بات يشكل رمزاً للمشروع الوطني في شكله الجديد. ومن جهة أخرى يشكل نموذجاً في الإدارة والبناء الحديثين. ومن جهة ثالثة يحظى بدعم دولي كبير ومهم للفلسطينيين في مسعاهم للحصول على الاعتراف بالدولة قبل نهاية العام الحالي. وبيّن استطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة «ألفا» المستقلة أن غالبية الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تريد فياض على رأس الحكومة الجديدة. وقال الدكتور فيصل عورتاني رئيس المؤسسة أن حوالى 60 في المئة من الفلسطينيين يريدون فياض وليس أي شخص آخر على رأس الحكومة. وأضاف إن «هذه النسبة تشكل أهمية كبيرة لأنها تأتي بعد اتفاق فتح وحماس»، مشيراً الى أن هذا يعني أن الجمهور لا يريد أياً من هاتين الحركتين لهذا المنصب. وشكلت مبادرة فياض أرضية لجذب حركة «حماس» الى المصالحة إذ أنها سمحت للحركة بمواصلة إدارة الملف الأمني في القطاع، وهو الملف الذي يحتل الأهمية الأولى للحركة التي تملك جهازاً أمنياً حكومياً كبيراً يصل تعداده الى 18 ألفاً، يضاف إليه جهاز عسكري أكبر عدداً وعدة. وقال مسؤولون في «حماس» ل «الحياة» إن قبول السلطة بقاء أجهزة الأمن العاملة في غزة أقنع أعضاء وقيادات الحركة بالتصويت لمصلحة المصالحة بعد تيقنهم بأنهم لن يخسروا شيئاً من مواقعهم بعد المصالحة.