يسود القلق الأوساط السياسية والعسكرية العراقية من مستقبل الأمن في البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية نهاية السنة. ويؤكد مسؤولون سياسيون وأمنيون ل «الحياة» أن أكبر التحديات التي تواجه المؤسسة الأمنية مستقبلاً هو «ضعف التأهيل والفساد» على رغم نفي القوات الأميركية اتهامات عراقية لها بالتقصير في تدريب وتسليح الجيش والشرطة طوال المرحلة الماضية، وقالت إنها دربت 45 ألف عنصر أمن عراقي خلال العام الحالي فقط. ودعا النائب قاسم الاعرجي، «عضو لجنة الأمن والدفاع» في البرلمان العراقي في تصريح الى «الحياة» الحكومة الى «تشكيل لجنة خبراء وفنيين من وزارتي الداخلية والدفاع لتقويم الواقع المهني للمؤسسة الأمنية وتقدير مدى جاهزيتها لتسلم الملف الأمني بعد انسحاب القوات الأميركية مطلع العام المقبل». وحول الشكوك التي تحوم حول ما يعلن عن إتمام جاهزية قوات الجيش والشرطة قال الأعرجي: «نحن في لجنة الأمن والدفاع نحمل القوات الأميركية مسؤولية ضعف تسليح القوات الأمنية». وأضاف: «خلال السنوات الماضية عندما كان الجانب العراقي يطرح قضية التسليح مع الأميركيين كانوا يماطلون ويعدون في حال اكتمال عمليات التأهيل سيقومون بالتسليح في حين كانوا يعلمون جيداً أن خطط الإعداد والتأهيل تسير في شكل غير صحيح». ورداً على هذه الاتهامات أفاد الجيش الأميركي في بيان خص به «الحياة» أن «140 دبابة أبرامز ستكون في حوزة قوات الأمن العراقية قبل نهاية 2011 وأن 41 دبابة حالياً في حوزة تلك القوات». وأضاف: «من المقرر أن تشتري قوات الأمن العراقي 6 طائرات جديدة من طراز C-130J من القوات الأميركية لإضافتها إلى 64 طائرة في حوزتها حالياً كما ساعدت القوات الأميركية في تسليم 30 طائرة هليكوبتر مختلفة لأسطول الطيران العراقي، وساهمت في دعم وتدريب الطيارين». وتابع: «في حوزة القوات البحرية العراقية حالياً ثلاثة زوارق من طراز سويفت، وستتسلم زورقين آخرين الشهر الجاري». ولفت البيان الى أن «شراكة قوات الأمن العراقية والقوات الأميركية لبناء القدرة على الدفاع عن العراق تمتد لسنوات عدة. ويتجلى التزامنا تجاه قوى الأمن الداخلي من خلال أكثر من 1000 دورة تدريبية أنجزت حتى الآن، وتدريب ما يقرب من 45000 من الأعضاء الجدد في قوى الأمن العراقي وتوزعت على القوات البرية 10400 خريج من 264 دورة والقوات الجوية: 370 خريجاً من 27 دورة والقوات البحرية: 470 خريجاً من 15 دورة، أما الشرطة فكانت الأعداد 33700 خريج من 718 دورة». لكن اللواء إسماعيل المشكوري (ضابط سابق في الجيش العراقي) أوضح ل «الحياة» أن «المشكلة الرئيسية تتركز في قوات الجيش العراقي. فخلال الفترة المنصرمة وبسبب انتشار وحداته داخل المدن وإسناد مهمة الأمن الداخلي له تم تدريب جنوده على مواجهة الجرائم التي تعد عسكرياً بسيطة نسبة الى قتال الجيش لقوات نظامية لدول أخرى، وأهمل جانب مواجهة العدو الخارجي سواء على مستوى إعداده للقتال في جميع صفحات المعركة أو في الجانب المعلوماتي السوقي والتعبوي ابتداء من جبهة الاشتباك حتى عمق أرض العدو». ويقدر المشكوري «المدة التي يحتاجها الجيش العراقي للتدريب بأنها لا تقل عن 5 سنوات بعد سحبه من المدن الى معسكرات خاصة به، إضافة الى تسليح يوازي ما يصطلح عليه فنياً العدو والعدو المحتمل في المنطقة». ويصف المشكوري ما ورد في بيان الجيش الأميركي ل «الحياة» عن الأسلحة التي قدمها للجيش العراقي بأنها «نسبة تكاد تكون مهملة في المقارنة مع تسليح جيوش دول المنطقة التي تعد تهديداً حقيقياً للبلاد. بعض هذه الدول وصل عدد دباباته من الابرامز الى الآلاف وطائراته المقاتلة ومن جميع الأجيال تقارب الألف ناهيك عن شبكة تموين ونقل تضم آليات ومعدات استراتيجية». وزاد: «من يتحدث الآن عن أمن بلد عليه أن يكون ملماً بكل الجوانب الدفاعية على أقل تقدير. مثلاً الآن لا أحد يتحدث عن منظومات الدفاع الجوي في الرصد والمراقبة أو ما يسمى بشبكات الرادار حتى أسلحة مقاومة الطائرات واعتراض الصواريخ». وتساءل: «أين كان جهد الدولة العراقية خلال السنوات الماضية في الجانب العسكري؟». وبدأت لجنتا الأمن والدفاع والنزاهة البرلمانيتان نهاية الشهر الماضي التحقيق في ملفات فساد في وزارة الدفاع تتمحور حول صفقات شراء أسلحة وأعتدة عسكرية واستغلال وظيفي. وكان عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان النائب حامد المطلك قال في تصريح إلى «الحياة» إن «اللجنة تتابع سراً ملفات فساد تتعلق بصفقات شراء أسلحة تمت خلال السنوات الماضية». ولفت إلى أن «اللجنة، على رغم تسجيلها حالات فساد إداري، وحصولها على وثائق تدعم ذلك إلا أننا لن نعلنها إلا بعد مناقشتها وعرضها على رئاسة البرلمان». وعن أبرز ملفات الفساد في الوزارة ذكر إنها «كثيرة، تبدأ بصفقات شراء أسلحة خفيفة وثقيلة للجيش، إضافة إلى استغلال المناصب العسكرية لأغراض شخصية، وقضايا إدارية تنظيمية داخل الوزارة». وسجلت خلال الأيام الماضية شبهات فساد إداري ومالي في وزارة الدفاع تتعلق بصفقات شراء طائرات حربية من أوكرانيا، وعدم صلاحية معدات عسكرية كالدروع والأسلحة الخفيفة. ويرى الأعرجي أن «الفساد الكبير في وزارتي الدفاع والداخلية يشير الى عدم الشعور بالمسؤولية من جهة والى نتائجه السلبية على برامج الإعداد والتدريب»، وطالب «الحكومة والبرلمان بالكشف عن الجهات والأفراد الذين تسببوا في تخلف برامج وخطط التدريب للجيش والشرطة ومحاسبتهم بشدة».