بعد فشل محاولات اميركية عدة لدفع الحكومة العراقية الى طلب الابقاء على قوة قتالية بعد الانسحاب وفق ما نصت عليه المادة السابعة والعشرون من الاتفاق الامني الموقع بين الطرفين، تقدم قائد القوات الاميركية في العراق منتصف ايلول (سبتمبر) الماضي بطلب رسمي الى رئيس الوزراء نوري المالكي لابقاء 3 آلاف جندي في العراق. لكن المالكي، قال في مقابلة مع «الفضائية العراقية» بعد ايام أن «التوجهات العامة لا تسير باتجاه التمديد للقوات الأميركية» مشيراً الى ان بقاء تلك القوات «يحتاج الى اتفاقية جديدة على أن يصوت عليها البرلمان بثلثي اعضائه»، واعتبر ان الذهاب الى البرلمان «امر صعب تحقيقه» وأعلن عن رغبة الاميركيين بإبقاء قوة قتالية الى ما بعد 2011 والى ان «زيارات المسؤولين الأميركيين الأخيرة الى العراق كانت تشير الى الرغبة في ابقاء قوات الى فترة اطول داخل العراق، لكنهم كانوا يؤكدون أن ذلك مرهون بطلب الحكومة العراقية وموافقتها. لكن مبررات الجانب الأميركي للبقاء غير مقنعة للكثير من القوى السياسية العراقية». وسبق ان كشف مصدر من «التحالف الوطني» عن فشل وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا خلال زيارته بغداد الصيف الماضي في اقناع الكتل السياسية وقادة المؤسسة الامنية بخطط بلاده الابقاء على قوة قتالية حتى عام 2016. وفي سياق السجالات حول مستقبل القوات الاميركية في العراق سلطت القوى السياسية الشيعية ضغوطاتها على الحكومة من اجل التمسك ببنود الاتفاق الامني، وأبلغت المالكي في حزيران (يونيو) الماضي ان استمراره في منصبه مرهون بقرار حكومته عدم التمديد لأي وجود عسكري اجنبي على ارض العراق. وهذا التوجه مدعوم من ايران وسورية ودول اخرى، فيما اشترط الاخير على هذه القوى لاسيما التيار الصدري الذي طالما طالب بتحسين الخدمات ومستوى المعيشة، بعدم دعم اية احتجاجات مناهضة للحكومة وهو ما فسر عدم خروج انصار الصدر مع المحتجين منذ شباط (فبراير) الماضي وعدم المشاركة في اية تحركات سياسية، ودعم توجهاته (اي المالكي) بتقليص عدد الوزارات من 47 وزارة الى 20، وكذلك طالب المالكي بمنح الحكومة حرية الاتفاق مع الاميركيين على آلية لتواجد فرق تدريب الجيش والشرطة بعد الانسحاب على ان لا تكون ذات طابع عسكري، ومساندة تقرير فني سيتم عرضه داخل مجلس الوزراء والبرلمان ينص على الحاجة الى مدربين. القوى السنية كانت منقسمة على نفسها بين داع الى التمديد للقوات الاميركية وفق ترتيبات تحد من تدخلها في الشأن العراقي وبما يمنع اي تصادم طائفي، وبين من يدعون الى سحب كامل للقوات على ان تتعهد واشنطن برعاية العملية السياسية والحد من النفوذ الايراني، اذ تخشى هذه القوى ان تملأ ايران الفراغ بعد سحب اميركا قواتها. من جانبهم كشف الاكراد عن مخاوف كبيرة من مستقبل الوضع في المناطق المتنازع عليها والابقاء على عدد محدود من الجنود الاميركيين في هذه المناطق لمنع اي صدام مسلح ينتج بسبب الاحتقان، او استبدال القوات الاميركية في هذه المناطق بقوات دولية على غرار تلك الموجودة في دول اخرى، الامر الذي رفضته القوى العراقية، كما لم ينل الطرح الكردي قبول ايران. وكان هناك نوع آخر من الضغوطات مورست على الحكومة العراقية والقوات الاميركية لاجبارهما على تنفيذ الاتفاق الامني تمثل بحركة قام بها مقتدى الصدر في الصيف الماضي، عندما استفتى مرجعيات دينية من الشيعة والسنة حول الواجب الشرعي من بقاء قوات بعد نهاية العام الحالي، وحصل على مساندتهم بفتاوى حضوا فيها على اخراج هذه القوات في نهاية العام الحالي، بالطرق السلمية او بقوة السلاح في حال بقي «المحتل» بموافقة الحكومة او بغير موافقتها، ودعا بعضهم الى «بذل السلاح والارواح» و «اخراج المحتل الكافر من العراق بالتعاون مع الحكومة ان قبلت او من دونه». كما اصدر الصدر فتاوى اعتبر فيها اي تمديد للقوات الاميركية استمراراً للاحتلال. واعتبر في آخر استفتاء له موظفي السفارة الاميركية في بغداد محتلين من الواجب مقاومتهم والتعامل معهم على هذا الاساس. طالباني: «لا تمديد» في تموز (يوليو) الماضي استبعد رئيس الجمهورية جلال طالباني اي تمديد او اتفاق امني جديد بين العراق واميركا، لأن «التمديد يحتاج الى موافقة ثلثي البرلمان وهذا لا يمكن الحصول عليه». ولفت الى وجود ضبابية في مواقف القوى السياسية حول انسحاب القوات الاجنبية من البلاد مع نهاية هذا العام». وكشف طالباني ان «التقارير التي رفعتها القيادات العسكرية للقوة الجوية والبحرية والدروع والمشاة الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، اكدت ان هذه القوات لا تستطيع حماية الجو والبحر والحدود العراقية بعد انسحاب القوات الاميركية». وتابع «اعترفوا (اي القيادات العسكرية) انهم يستطيعون حماية الامن الداخلي ولكن لا يستطيعون حماية الحدود الجوية والبرية والبحرية. لدينا طائرات، والطائرات الاميركية التي اشتريناها لم تصل بعد واذا وصلت تحتاج الى فترة تدريب، اما بالنسبة للقوات البحرية فليست لدينا زوارق كافية لحماية البحر وهو بالنسبة لنا مهم جداً، لأن الطريق الكبير لتصدير النفط العراقي هو البحر لذلك اذا تعرقلت مسألة التصدير سيتأثر اقتصادنا» وأضاف «الخبراء العراقيون يعتقدون أن العراق يبقى بحاجة الى حماية جوية وبحرية وتدريب القوات على الاسلحة التي اشتريناها من أميركا، ومنها الدروع ودبابات ابرامز وكذلك طائرات (F16) و(F18)». تقارير فنية عرض المالكي في آب (اغسطس) الماضي التقارير الفنية لخبراء عسكريين في اجتماع قادة الكتل. وتناول التقرير الاول جاهزية القوات العراقية،على ثلاثة مستويات، الاول الامن الداخلي، والثاني حماية الحدود، والثالث عن القوات المسلحة واستعدادها لمواجهة العدوان الخارجي». التقرير يتضمن ارقاماً دقيقة ومفصلة عن الجاهزية وايضاً يتطرق بالتفاصيل الى الحاجة الفعلية لكل صنف من الاسلحة والتجهيزات والتدريب، وسط خشية البعض من عدم جاهزية القوة الجوية والدفاع الجوي، ما يجعل سماء العراق ساحة مفتوحة يمكن ان تتحول الى ميدان مباح للطائرات الايرانية والاسرائيلية في حال نشوب اي قتال بين البلدين، في ظل واقع يقول ان العراق يملك جهاز رادار واحداً فقط، وخلوه من اي طائرة مقاتلة او اعتراضية تحمي اجواءه. كما تعتبر موانئ الجنوب من دون حماية بسبب التجهيز الضعيف وغير المجدي للقوة البحرية». اما التقرير الثاني فتناول عقود التسليح والتدريب التي ابرمتها الحكومة. وأشار الى عقود التسليح ونسب تنفيذها حيث يتم العمل بشكل متواصل لاستيراد الاسلحة التي كان آخرها 12 دبابة من نوع ام 1 اي 1 الى جانب 14 مدفعاً من نوع ام 198 فضلاً عن عربات عسكرية مقطورة مختلفة، وصلت الى الموانئ، اضافة الى 120 قطعة عسكرية من المنشأ نفسه تسلمها العراق خلال الاسابيع القليلة الماضية. كما كشف التقرير عن بروتوكولات تفاهم لتدريب الشرطة بين وزارة الداخلية العراقية ومكتب التحقيقات الفيديرالي، بقيمة تتجاوز بليون دولار مقدمة كمنحة للعراق من اميركا، اضافة الى عقود تدريب اخرى على نفقة العراق في كل مجالات الامن الداخلي. كذلك عرض التقرير آخر تطورات مشروع مراقبة الحدود من خلال كاميرات. اما القوة الجوية فهناك دورات لعشرات الطيارين العراقيين في اميركا، بانتظار اتمام صفقات شراء طائرات من دول عدة، اضافة الى شبكة رادارات يتم التفاوض في شأنها مع احدى الدول، إضافة الى منظومات صواريخ ارض-جو. خطة ما بعد الانسحاب كجزء من ادارة الازمة من قبل الحكومة وسد الثغرات وضع قادة عسكريون خطة لادارة الملف الامني بعد انسحاب القوات الاميركية، تحدد وجود المدربين والمستشارين الامنيين مع طاقم السفارة في سقف عشرة آلاف شخص فقط. اعتمدت الخطة على تقويم ميداني لواقع جاهزية القوات العراقية وفق التحديات المستقبلية، وبناء على ما هو متوافر وعلى الحاجة الى التدريب والتسليح والتجهيز، فأكدت ان الجيش العراقي يمتلك 700 دبابة متطورة من ضمنها 145 دبابة من نوع ابرامز و60 طائرة مروحية، وشخصت نقصاً في سلاح الإشارة (اي الاتصالات) الذي قدرت نسبة جاهزيته ب 34 في المئة. وفي الدفاع الجوي قدرت الخطة الحاجة الى اكثر من 30 بليون دولار لشراء طائرات مقاتلة من نوع «فانتوم» 16 واخرى اعتراضية وبمديات مختلفة، يصل عددها الى اكثر من 50 طائرة، والى مقاومات ارضية، أي مدفعية، وصواريخ ارض-جو، واجهزة انذار مبكر مهمتها كشف طائرات الدول المجاورة (العدو المحتمل) عند اقلاعها من مطاراتها، تصل قيمتها الى اكثر من 20 بليون دولار، إضافة الى شبكة رادارات تغطي البلاد، يتراوح سعر الواحد منها بين 50 و 70 مليون دولار. وتابع المصدر «المشاكل الحقيقية، المتوقعة بعد انسحاب القوات الأميركية هي في كيفية درء المخاطر المحتملة التي تهدد امدادات النفط العراقي من جنوب العراق عبر الخليج العربي حيث يتم تصدير ما يقرب من 75 في المئة منه من خلال منصات تحميل، وما ينتج من الخلافات بين المتخاصمين في كركوك والمناطق المتنازع عليها». الاميركيون يستعينون بأصدقائهم العراقيين مع التضييق على الاميركيين وشعورهم بالفشل في اقناع العراقيين بالابقاء على قوات قتالية بعد الانسحاب حاولوا استمالة بعض اعضاء لجنة التفاوض العراقية المشكلة من وزير الدفاع السابق عبدالقادر محمد جاسم العبيدي، ورئيس اركان الجيش الفريق با بكر زيباري، وعقدوا اجتماعات خاصة معهما لتبرير استمرار تواجد اميركي محدود في العراق ما دفع رئيس الوزراء نوري المالكي الى استبعاد وزير الدفاع السابق من اللجنة. لكن وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري اعلن ان بلاده في حاجة الى ابقاء قوات قتالية الى ما بعد 2011، وأيده بذلك ضابط كبير في وزارة الدفاع العراقية، فضل عدم ذكر اسمه في تصريح ل «الحياة» قال فيه: «ان تصريحات رئيس اركان الجيش حول الحاجة الى بقاء قوات اميركية تأتي من دراسة واقعية للامكانات القتالية الحقيقية لاصناف مهمة من قواتنا المسلحة في الجانب الدفاعي»، وأضاف: «الآن القوة لا تمتلك الحد الادنى من القدرات التي تؤهلها لتكون جاهزة للمهمة « وأشار الى ان «خطط بناء القوات الجوية تكتمل عام 2020 وهي في حاجة الى اسراب من الطائرات مختلفة التخصصات». واعتبر عضو لجنة الامن والدفاع، في مجلس النواب العراقي، النائب قاسم الاعرجي، في تصريح الى «الحياة» ان «الارقام التي يذكرها الجيش العراقي هي جزء من مخطط اميركي للبقاء في العراق اطول فترة ممكنة». وأضاف: «انهم، منذ دخولهم البلاد كمحتلين، عملوا على خلق ملفات امنية عبارة عن قنابل موقوته تهدد أمننا، مثل المناطق المتنازع عليها والخلافات الطائفية، ليربطوا استقرار البلد بوجودهم». الحكومة تقرر الاستعانة بمدربين في ايلول (سبتمبر) الماضي قررت الحكومة الاستعانة بمدربين بعد اكتمال التصورات عن نوع الحاجات والثغرات، ورسمت خريطة لمواجهة التحديات المحتملة بعدما تم تشخيصها ووضع جدول توزيع مراكز التدريب على الرقعة الجغرافية عبر 5 مراكز تدريب موزعة على النحو التالي: مركز تدريب القوات البحرية على السفن الجديدة المتعاقد عليها مع اميركا وبريطانيا والتي من المفترض تسليمها الى العراق خلال الفترة المقبلة في القاعدة البحرية بمنطقة ام قصرالساحلية. وهو ما يعزز من امكانية الدفاع عن انابيب النفط وكذلك منصات التصدير. إضافة الى تسريع تنفيذ اجراءات المادة 140 المتعلقة بكركوك حيث ستكون القاعدة الجوية فيها مركزاً لتدريب الطيارين والفنيين العراقيين، وفي الموصل سيكون هناك مركز لتأهيل القوات البرية او ما يعرف بالمشاة، اما قوات الشرطة فسيتم اعدادها في معسكر بسماية جنوب بغداد، واخيراً تم اختيار معسكر التاجي شمال العاصمة لتدريب الجنود على دبابات ابرامز». اجمالي عدد الاميركيين المحتمل تواجدهم بعد الانسحاب لا يتجاوز سقف العشرة آلاف، من بينهم السلك الديبلوماسي والمدربين والمستشارين، على ان تتكفل الحكومة العراقية بحماية جميع الرعايا الاجانب. معركة جديدة مع إعلان المالكي حاجة بلاده إلى مدربين وإعلان ملامح الخطة الخاصة بذلك، كان الأميركيون يضعون خططهم أيضاً لما بعد الانسحاب، واقترحوا على العراقيين خريطة طريق من ثلاثة أصناف ديبلوماسية وتدريبية وقتالية تشمل زج قوة قتالية في مراكز التدريب في أم قصر جنوب البلاد، بخاصة بالقوة البحرية، ومعسكرات التاجي وبسماية لقوات الجيش، وكلية الشرطة لتأهيل عناصر الأمن ومطار بغداد لتدريب الطيارين. وتتضمن الخطة فتح مواقع قتالية قريبة من سفارتهم في المنطقة الخضراء وسط العاصمة وقنصلياتهم في البصرة وأربيل. كما تستلزم الخطة فتح قنصليات في كركوك والموصل مدعومة بمراكز عسكرية قريبة منها. وهنا بدأت معركة جديدة من نوع آخر، فاشترط التيار الصدري أن يكون أي تواجد أجنبي جديد على أساس اتفاقية ثنائية بين وزارة الدفاع العراقية ونظيرتها الأميركية بعيداً عن توقيع أو إبرام معاهدة وبطلب من خبراء ومختصين وفنيين للتدريب، وليس في إطار توقيع أو إبرام معاهدة بين بغداد وواشنطن كالاتفاق الأمني بصيغته الحالية. ومع استمرار الضغوطات على الحكومة العراقية وإصرارها على الاستفادة من مدربين طالب الجانب الأميركي بحصانة قانونية لجنوده وموظفي السفارة بعد 2011، ما جعل الحكومة في موقف محرج كون أي حصانة تستدعي الذهاب إلى البرلمان باتفاق أمني جديد أو تشريع يحمي موظفي السفارة وما تبقى من جنود من المساءلة القانونية. في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) أقر زعماء الكتل السياسية عدم منح الحصانة للمدربين وقال نائب رئيس الوزراء العراقي روز نوري شاويس ل «الحياة»: «الحكومة الاتحادية ملتزمة قرار الكتل السياسية في عدم منح الحصانة للمدربين الأميركيين في حال تم الاتفاق على إبقائهم بعد الانسحاب نهاية العام الحالي»، مشيراً إلى «لقاءات فنية تجري بين الطرفين تضم فريقاً عراقياً يتألف من مجلس الأمن الوطني والوزارات المعنية لإيجاد آلية تنفيذ الانسحاب وصيغة قانونية لبقاء مدربين وتحديد واجباتهم». وعن الحوارات بين القوى السياسية العراقية التي جرت قبل قرار عدم منح الحصانة كشف انه «في اجتماع الكتل تم التوصل إلى هذا القرار عند مناقشة تقرير الحكومة الفني حول الحاجة إلى مدربين وكان هناك رأيان، الأول يقول بحاجة القوات العراقية إلى تسليح وتجهيز لعدد من الصنوف على أن يقوم بالتدريب عليها خبراء من دول والثاني ينكر هذه الحاجة. وبعد الاقتناع بضرورة التدريب عاد النقاش بين رفض وقبول الحصانة وكان الاقتراح الأولي منحهم حصانة محدودة داخل الثكنات وأثناء الواجب فقط، إلا أن الغالبية رفضت منح أي حصانة مهما كان شكلها».