خلال حرب الوحدة بين شطري اليمن، استطاع الرئيس علي عبدالله صالح اللعب على عامل الوقت، وهو مارس مناورة سياسية خلال تلك الحرب. كان يستقبل الوسطاء، ويقبل المبادرات، ويتحدث عن مفاوضات، ويدير المعارك في آن. وخلال وقت قصير استطاع حسم الموقف لمصلحته. اليوم يعاود صالح تجربته السابقة. تارة يرفض المبادرة الخليجية بحجة الخلاف على مكان التوقيع، وأخرى يعترض على حضور قطر، وثالثة يلعب على الصفة التي يوقع بها على المبادرة. مسؤول في الحكومة اليمنية قال ل «سي أن أن» ان رفض الرئيس اليمني السفر الى الرياض هو خشية من وقوع انقلاب عسكري، وهذا تفسير محتمل في ظل انحياز بعض ضباط الجيش الى المتظاهرين. لكن القضية ليست في خشية الرئيس من ترك البلد ونقل مراسم التوقيع الى صنعاء، وإنما في محاولة صالح المراوغة باستخدام صفة رئيس الحزب بديلاً من رئيس الدولة، للالتفاف على المبادرة، والسعي للتنكر لها وفق التطورات على الأرض، فضلاً عن ان القبول بهذا الشرط، الذي يعتبر تعديلاً جوهرياً في نص المبادرة، يشير الى ان الرئيس صالح يبحث عن غطاء سياسي اقليمي لمعركتة السياسية مع المعارضة. لا شك في ان الرئيس اليمني لم يكن ينوي التوقيع على المبادرة، ودول الخليج أدركت موقف الرئيس منذ البداية، وهي عمدت الى وضع صيغة متسامحة معه، ومع ذلك لم تفلح حتى الآن في كسب الرئيس الى طاولة التوقيع، فضلاً عن ان دول الخليج ذهبت بعيداً في محاولتها إقناع صالح، واشترطت على المعارضة إما أن تقبل المبادرة بنصها حرفياً أو ترفضها. فقبلت المعارضة المبادرة بنصها، سعياً منها لإنهاء حال الاحتقان. لكن الرئيس صالح، الذي جرى صوغ المبادرة مراعاة لظروفه، وتأمين خروجه في شكل كريم، وضع دول الخليج في حرج، فاشترط ان يوقع على المبادرة بصفته رئيساً للحزب الحاكم، وليس رئيساً للدولة، بحجة ان الأطراف الأخرى أعضاء في أحزاب، وهو ما يعتبر مساً جوهرياً بنص بالمبادرة، ويفتح مجالاً للتنصل منها. الأكيد ان صالح وضع المبادرة الخليجية في مأزق سياسي صعب. فالتراجع عنها مكلف. والقبول بشروط الرئيس اليمني سيجعل دول الخليج تبدو وكأنها تدعم توجهات صالح، وتتماهى مع مناورته السياسية لكسب الوقت، والحل هو التحلي بالصبر، ومواصلة العمل. فالبديل من المبادرة دخول اليمن في حرب مفزعة.