تولي الانظمة التعليمية في البلدان الغربية المتقدمة اهتماماً كبيراً ببرامج الاطفال الهادفة الى تنشئتهم وطنياً وتربيتهم مدنياً، بغية تعويدهم على العمل الجماعي المشترك وممارسة فنون اللعبة الديموقراطية وترسيخ الانتماء لفكرة المواطنة سواء عبر تشكيل برلمانات الاطفال ام تأسيس المجالس البلدية او غيرها من البرامج التي تتقاطع مع شعار منظمة الانيسكو «اطفال اليوم قادة المستقبل». وتوخياً لهذه الغاية، تقوم المدارس الابتدائية بالتعاون مع البلديات الكندية بتأسيس «مجالس محلية» للاطفال تحاكي بتشكيلها وتنظيمها وآلياتها وادارتها ومهماتها سائر المجالس البلدية الرسمية. فبموجب النظام الداخلي لمجالس الاطفال يحق لكل مدرسة ان تتمثل بثمانية او اثني عشر عضواً، تبعاً لكبرها او صغرها. وعلى إدارتها ان توفر ملفاً لكل مرشح يتضمن اسم المدرسة واسم التلميذ وصفه وعمره. كما ان على البلدية ان تؤمن وثائق الاقامة لكل منهم بمعنى ان يكون المرشح مقيماً في الحي او المنطقة التابعة لنطاق البلدية الاداري. وبعد اكتمال هذه الاجراءات تحدد لجنة المدارس موعد الانتخابات ومراكز الاقتراع التي تشرف عليها هيئة مشتركة من ممثلي ادارات المدارس والمجالس البلدية الرسمية. والشروط التي ينبغي ان تتوافر في المرشح، هي ان يكون في السنة الخامسة او السادسة الابتدائية، وان يتراوح عمره بين 9 و10 سنوات، وان يحصل على اذن خطي من ولي امره، وان يلتزم بتخصيص وقت للعمل البلدي والخدمة العامة. اما الانتحابات فيجري التحضير لها قبل الموعد المحدد بأسبوعين، وتجرى عادة في حزيران (يونيو). وتقوم المدرسة خلالها بتوزيع المنشورات، وعرض الافلام الوثائقية، وشرح النظام الداخلي لمجالس الاطفال، وكل ما يتعلق بتفاصيل العملية الانتخابية. ويتولى المرشحون تنظيم الحملات الانتخابية داخل كل مدرسة. وتخصص لهم أمكنة محددة للصق الاعلانات والصور والشعارات والبرامج الانتخابية، وصالات لإقامة المهرجانات والندوات والمناظرات التي تجري بعد الدوام المدرسي. وتجري عملية الانتخاب في شكل هادئ ومنظم وحضاري: يتوزع الناخبون على مراكز الاقتراع ويقفون في صفوف منظمة كل ينتظر دوره. ويتولى مندوبو المرشحين الاشراف على لوائح الشطب ويتأكدون من ورود اسم الناخب ومن هويته وعمره وصفه ومدرسته واقامته. ويذهب بعدها الى الغرفة السرية التي تحتوي على اقلام واستمارات باسماء المرشحين ويختار واحداً منهم او اكثر. ثم يتوجه الى صندوق الاقتراع ويدلي بصوته بكل حرية، من دون إكراه أو تدخل. وعند اقفال الصناديق في الوقت المحدد لانتهاء عملية الاقتراع، يبدأ فرز الاصوات امام شاشة عملاقة وعلى مرأى من المرشحين وانصارهم، علماً انه اذا تساوى مرشحان بعدد الاصوات، يكون الفائز هو الاكبر سناً. وبعد اعلان النتائج النهائية للانتخابات تودع نسخ منها لدى دور البلديات الرسمية وادارات المدارس للتصديق عليها ونشرها في وسائل الاعلام المحلية وعلى موقع الانترنت الخاص ببلدية الاطفال. هيئة المجلس ومهماته تعقد المجالس المنتخبة أولى جلساتها بحضور الفائزين في كل مدرسة وينتخبون هيئة المجلس المكونة من رئيس ونائب رئيس وأمين سر. اما بقية الأعضاء فيتسلمون مناصب استشارية ويوزعون على لجان بلدية مختلفة. ويجتمع المجلس البلدي في دورات عادية محددة اثناء العطل المدرسية أو الفصلية. وفيه يطرحون المشاريع على جدول اعمال سنوي وتُناقَش تباعاً وتؤخذ القرارات فيها بالغالبية المطلقة. ويصدر المجلس في نهاية دورته العادية كتاباً سنوياً يتضمن جردة بالمشاريع التي انجزت واقتراحات مؤجلة للعام القادم (مدة مجالس الاطفال سنتان). الاهداف التي يسعى الاطفال الى تحقيقها، تندرج تحت عدد من العناوين، اهمها التضامن الاجتماعي والانساني والمواطَنة والبيئة والاتصالات والاعلام والثقافة والنشاطات الترفيهية والرياضية. وعلى سبيل المثال، يقوم الاطفال بتقديم المساعدات للمرضى والمعوقين والمسنين، كتوفير الوجبات الغذائية كالحليب والسكر والمربيات والحبوب والاسماك واللحوم والمعلبات وغيرها من مواد تتبرع بها مخازن التموين الكبرى. وينظمون ورشاً بيئية كتنظيف مجاري الانهر والحدائق العامة وغرس الزهور على جوانب الشوارع الرئيسية وجمع المواد القابلة لاعادة التصنيع كالاواني البلاستيكية والكرتون والمطبوعات الورقية، وتنظيف الملاعب الرياضية والاشراف على احواض السباحة. والى ذلك يوزعون كتيبات ومنشورات في الاحياء والمناطق تتضمن ارشادات صحية واجتماعية وثقافية، كحث المواطنين على اللقاحات والاقتصاد في صرف المياه والطاقة الكهربائية. اما المشاريع التي تحتاج الى موازانات مالية فيجري تحويلها الى البلديات الرسمية لدراستها ومناقشتها. ومن المشاريع التي اقترحها الاطفال واقرتها البلديات، وضع سلال النظافة في الاحياء الداخلية وزيادة المقاعد في الحدائق العامة وتخفيض اسعار بطاقات النقل العام الخاصة بالاطفال وتزويد المكتبات العامة بمزيد من كتب الاطفال وأجهزة الكومبيوتر والانترنت وتخصيص قاعات شتوية في بعض المراكز الثقافية لمزاولة النشاطات الترفيهية والرياضية وغيرها. باختصار، اثمن ما في تجربة المجالس البلدية للاطفال انها تتيح لهم ان يتدرجوا شيئاً فشيئاً في ألفباء الديموقراطية ويحكموا انفسهم بأنفسهم ويمارسوا حرية التعبير في ما بينهم ويكتشفوا اسرار اللعبة الانتخابية وآلياتها وصولاً الى ادارة العمل البلدي وتمثيل هيئاتهم الناخبة والتواصل مع سكان الاحياء والمناطق والتعرف الى حاجاتهم والعمل لخدمتهم.