كانت صلاة الجمعة أمس في مسجد النور في حي العباسية بمثابة «اختبار قوة» بين التيار السلفي والحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الأوقاف، انتهى لمصلحة الأول، إذ اتجهت الأنظار أمس إلى هذا المسجد الذي يُعَدّ من أشهر مساجد القاهرة، بعد صراع نشب في صلاة الجمعة قبل الماضية على من يعتلي منبر الإمامة. فالمسجد، التابع رسمياً لوزارة الأوقاف، تؤكد «جمعية الهداية» المحسوبة على التيار السلفي تبعيته لها، وتتمسك ب «حقها» في اختيار إمامه. وبعد شد وجذب، مَنَعَ أنصار الجمعية التي يترأسها قائد المقاومة الشعبية في السويس الشيخ حافظ سلامة، إمامَ المسجد الشيخ أحمد ترك من اعتلاء المنبر خلال الأسابيع الماضية، وهو ما أثار استياء وزير الأوقاف الدكتور عبدالله الحسيني، ودعاه إلى عقد اجتماعات عدة مع مسؤولي وزارته من أجل استعادة السيطرة على المسجد. وطلب الحسيني تدخل القوات المسلحة والشرطة من أجل تمكين إمام المسجد من اعتلاء المنبر في صلاة الجمعة أمس. وأحاط مئات من عناصر الجيش والشرطة بالمسجد منذ ساعة مبكرة من صباح أمس، كما انتشر عشرات في محيطه قبل الصلاة، من أجل منع حصول أي احتكاكات بين الطرفين. وحضر الشيخ حافظ سلامة محاطاً بأنصاره، وكذلك حضر الشيخ أحمد ترك وسط مجموعة من أنصاره، ورفع أنصار سلامة لافتة كبيرة خلف منبر المسجد كتب عليها «مسجد النور التابع لجمعية الهداية تحت إدارة الشيخ حافظ سلامة». وبدا أن قوات الجيش والشرطة لم تشأ أن تكون طرفاً في الخلاف واكتفت بالحؤول دون وقوع مواجهات بين الطرفين. وتوافد على المسجد مئات من أنصار التيار السلفي منذ ساعة مبكرة من صباح أمس، وسيطروا تماماً على منبره، ودفع سلامة بالدكتور عبدالرحمن الخولي، وهو من قيادات التيار السلفي، لإلقاء خطبة الجمعة، التي حمل فيها بشدة على وزارة الأوقاف ودعاتها، إلى حد اعتباره أن الصلاة في مساجد الأوقاف خلف ائمة الوزارة «مشكوك في صحتها»، متهماً إياهم بالتبعية للجهات الأمنية. وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة، شدد سلامة على أن أياً من الأئمة لن يخطب في مسجد النور أو يؤم المصلين «إلا علماء جمعية الهداية»، فيما ردَّد سلفيون هتافات أكدوا فيها «أحقيتهم» بالمسجد، وتطالب بإعلان مصر «دولة إسلامية»، وإقالة نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل، الذي قالوا إنه «علماني». من ناحية أخرى، نظم أكثر من ألفي شخص ينتمون إلى التيار السلفي أمس، تظاهرةً أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس في قلب القاهرة عقب صلاة الجمعة، للمطالبة بالإفراج عن «الأسيرات المسلمات في أديرة الكنيسة». ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها «عاوز أختي كاميليا»، في إشارة إلى كاميليا شحاتة زوجة القس، التي تردد أنها أسلمت وأن الكنيسة متحفِّظة عليها في أحد الأديرة، و «ارفع رأسك فوق أنت مسلم»، و «الحرية للمسلمات الأسيرات في الكنائس المصرية». وتوجَّهَ مئات منهم ليلتحقوا بآخرين تظاهروا أمام الكاتدرائية المرقسية (مقر الكنيسة القبطية) في حي العباسية للمطالبة بإطلاق شحاتة، وأدَّوْا صلاة العصر أمام مقر الكاتدرائية، كما تظاهر آلاف السلفيين بمشاركة مئات المنقبات أمام مقر دار الافتاء، للمطالبة بإقالة مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة بسبب فتواه بأن «النقاب عادة وليس عبادة»، وطالبوا بانتخاب المفتي. وكان جمعة أرسل فتواه إلى المحكمة الإدارية التي قضت بمنع دخول المنقبات الامتحانات بالنقاب، وضرورة كشف الوجه خلال تأدية الامتحان. وأكدت دار الإفتاء المصرية في وقت لاحق أمس، أن «وجه المرأة ليس عورة، كما أن ارتداء النقاب للمرأة المسلمة هو من قبيل العادات. ووصْفُ النقاب بالعادة يجعله من الأمور الشخصية المباحة التى تتيح للناس حرية اتخاذه من عدمه». وأوضحت فى بيان أنه «إذا تعلق الأمر بجهة الإدارة، كجوازات السفر وبطاقات تحقيق الشخصية والعمل في مجالات الصحة والأجهزة الرقابية والامتحانات ونحو ذلك، فإنه حينئذ يعود الأمر في تنظيم ارتداء النقاب إلى جهة الإدارة إباحةً ومنعاً، على ضوء ما يكون سائداً في مجتمعها بين الناس». وأكدت أنه «تقرر لدى علماء المسلمين سلفاً وخلفاً في قواعد فقههم، أن لولي الأمر تقييد المباح، خصوصاً إذا تعلق بمصلحة تعود بالنفع على الرعية ولا تؤول إلى نقض أصل شرعي، ووجهة الإدارة فى هذا المقام هي ولي الأمر». وأضاف البيان أن «دار الإفتاء ترى أن اعتراض البعض إنما هو على حكم قضائي وليس على فتوى دار الإفتاء، لأن فتوى الدار قديمة في هذا الشأن».