يفترض ان يكون رئيس الوزراء المصري أنهى جولة خليجية، هي الأولى لمسؤول في مصر «الجديدة»، وقد جعلتها الظروف بالغة الحساسية خصوصاً بعدما بدا ان القاهرة وعواصم الخليج لم تعد على موجة سياسية واحدة. لم يبلغ الأمر حد التأزم الساخن، أما التأزم الصامت فغدا مؤكداً سواء بعد استقراء المواقف من التحولات العربية والقضايا الإقليمية، أو بعد تأجيل جولة الدكتور عصام شرف وتعديل برنامجها. هناك في سلة التأزم هذا ما يتعلق بالتطورات التي شهدها وضع الرئيس حسني مبارك منذ تخليه عن منصبه، وصولاً الى اعتقاله. غير ان المقاربة الخليجية لهذا الموضوع ليست سياسية وانما معنوية، فضلاً عن انها تتفهم الظروف الداخلية الخاصة التي جعلت المجلس العسكري المصري يحيل الملف الى القضاء، فهي لا تتمثل بضغوط الشارع فحسب وإنما بتحركات رجالات العهد السابق. وعموماً أبدى الخليجيون، أو بالأحرى بعضهم، وجهة نظرهم انطلاقاً من قناعاتهم وتمنيهم ألا تبلغ الإجراءات مستوى غير مسبوق من الحدة. قبل ذلك، كان الموقف من الحدث الليبي أظهر أيضاً بعض التباينات. صحيح ان مصر أيدت في النهاية قرار الجامعة العربية الداعي الى «حماية المدنيين» الليبيين والتوجه الى مجلس الأمن لإنشاء منطقة الحظر الجوي، إلا ان النقاش الذي سبقه انطوى على تحفظات مصرية عُزيت الى وجود مئات آلاف المصريين في ليبيا وتعذر اجلائهم. ولم يكن هذا السبب، على أهميته، ليفسر وحده التحفظ الأولي المصري، بل ان الطابع الداهم للحدث حال دون أن تلعب السياسة الخارجية المصرية دوراً رائداً في ملف كان يتوقع ان تكون مرجعيته، نظراً الى ارتباط ليبيا بها. وإذا بهذا الدور ينتقل الى دول مجلس التعاون الخليجي التي بدت وحدها جاهزة لتسهيل خطوات اعتزمها المجتمع الدولي. وما لبث هذا الدور أن تصاعد واتخذ منحى آخر مع الموقف الخليجي الحازم من أحداث البحرين وتحريك قوات «درع الجزيرة» اليها، ما أتاح للقوى الأمنية البحرينية إنهاء الاحتجاجات في انتظار حسم الأزمة سياسياً. هذا التطور لامس خط التماس الإقليمي مع إيران، وعلى رغم ان الطرفين حرصا على إبقاء التوتر في إطار المعقول، إلا أنه لا يزال مثار جدال تحاول إيران دفعه الى مستوى التدويل، متزرعة بتدويل الأزمة الليبية ومناقشة الأزمة اليمنية في مجلس الأمن الدولي. في هذا الوقت جاء إعلان وزير الخارجية المصري عزم القاهرة على إقامة علاقات ديبلوماسية مع طهران. أي انه جاء في وقت غير مناسب، لأنه شكل لإيران جرعة معنوية غير متوقعة. كانت مصر مبارك تعاملت مع ملف العلاقات مع إيران على أنه مقفل ومؤجل لأسباب كثيرة تراكمت على مدى ثلاثين عاماً، حتى إن مصادر عدة ربطت ذلك ب «تعهد» مصري للولايات المتحدة. أما مصر بعد التغيير فبدا طبيعياً أن تراجع سياستها الخارجية على قاعدة تصفية العداوات، وقد ترافقت اللفتة الإيجابية في اتجاه إيران مع السماح لبارجتين إيرانيتين بالمرور في قناة السويس في طريقهما الى سورية. وفُهم خليجياً ان رحلة البارجتين تمت بموافقة أميركية. لذا طُرح التساؤل عما إذا كان التقارب الديبلوماسي مع طهران معبراً عن طلب أميركي أو مجرد استجابة أميركية لرغبة مصرية. في الحالين، ومع بدء متاعب سورية إزاء الاحتجاجات الشعبية لديها، أثار «التغيير» المصري المبكر تساؤلات وهواجس خليجية. ومن الواضح ان القاهرة لم تتنبّه الى رد الفعل الخليجي، لأنها اضطرت في ما بعد الى «التصحيح» مؤكدة ان «عروبة الخليج خط أحمر» وأنها لن تقبل «المساس بأي دولة خليجية». ويُعتقد ان «تصحيحاً» آخر جرى أيضاً من خلال التريث في تبادل السفراء، بعدما بدت طهران جاهزة ومستعجلة. لكن، في معزل عن التوضيحات التي حملها عصام شرف، هل إن ما تعتزمه مصر هو تغيير في استراتيجيتها؟ وهل إن وجود سفراء خليجيين في طهران غيّر شيئاً في السياسة العامة لدول مجلس التعاون تجاه إيران؟ كانت دول الخليج ولا تزال تعمل لإبعاد سورية عن إيران، وكان الرئيس السوري دعا الخليجيين للانضمام الى تحالفه مع إيران. الآن، فيما انخرطت إيران في حساب خسائرها المحتملة من انشغال النظام السوري بأزمته الداخلية وربما خروجه ضعيفاً منها، قد يشكل انفتاح مصر عليها تعويضاً يستحق الرهان عليه، لكن أحداً لا يتصور ان مصر تريد الانضمام الى محور سورية - إيران، بل إنها كدولة إقليمية كبيرة تسعى الى إعادة رسم دورها من دون استبعاد علاقة مع إيران ومحاولة استثمار هذه العلاقة لمصلحة الأمن القومي العربي. وعلى هذا يفترض أن يتمكن عصام شرف من إيجاد أرضية تفاهم مع دول الخليج. * كاتب وصحافي لبناني