هناك مثل شائع في فرنسا التي رحل عنها المغني الأسطوري جوني هاليداي أخيراً، يقول: «أن تصل متأخّراً، خير من ألا تصل أبداً». وقبل هاليداي بأيام قلائل، رحلت عن مصر أسطورة غناء أخرى، هي شادية التي يحفظ لها المصريّون سيولاً من الأغاني. ولعل بعض من شهد مؤتمر ومعرض «كايرو آي سي تي- 2017» Cairo ICT 2017 أخيراً رنّت في ذاكرة أذنيه بعض كلمات من أغنية شاديّة «يا حبيبتي يا مصر»، قريبة من معنى المثل الفرنسي: «... ولا شاف العمل/ سهران في البلاد والعزم اتولد/ولا شاف العناد في عيون الولاد وتحدي الزمن». ويصح القول إنّ ولادة أول خليوي من صنع مصري تأخّر كثيراً أو قليلاً، لكنها حدثت في الدورة ال21 لذلك المؤتمر السنوي المكرّس للمعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة. وكان المصريون يترقّبونه في السنوات الأخيرة، بل وعد وزير الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات ياسر القاضي في 2015، وخلال «كايرو آي...» تلك السنة، بأن تكون انطلاقته في 2018. الأرجح أنّه أمل تحقّق. ولم يتأخّر القاضي في إهدائه إلى الرئيس السيسي الذي أبدى أمله أيضاً في كلمة ألقاها في افتتاح المعرض بأنّ يكون ذلك الخليوي «مصريّاً بمواصفات عالميّة. وشدّد السيسي على أنّ «الاستثمار في البشر هو الأفضل... علينا تهيئة البيئة للشباب من أجل مساعدتهم على الإبداع». وكذلك لاحظ القاضي في مداخلاته في المعرض أنّ 45 في المئة من الخليوي المشار إليه آنفاً تصنع في مصر كليّاً. ونبّه إلى أنّ «كايرو آي...» يعتبر أحد أبرز الفعاليات في قطاع الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات في المنطقة. وأعلن افتتاح منطقتين تكنولوجيتين، وأول مصنع للإلكترونيّات في صعيد مصر، وإطلاق مبادرة «إي- فيزا» e-visa، وإستراتيجيّة موسّعة عن التجارة الإلكترونية، وتدشين مركز للإبداع يعتبر من الأكثر تقدّماً في المنطقة. وذكّر وزير الاتّصالات ب «مبادرة مبرمجي المستقبل» التي تبنّتها مصر بهدف تعليم قرابى 6 آلاف من طلاب المدارس تقنيّات البرمجة ولغاتها المتّصلة بالكومبيوتر والهواتف الذكيّة. وكذلك أعلن بداية العمل في تجارب تقنيّة مبدئيّة تمهّد لتبني شبكات الجيل الخامس للخليوي («5 جي» 5G)، ما يؤهّل مصر للريادة في خدمات الاتّصالات المتصلة بها في المنطقة. مستقبل الذكاء الاصطناعي في «كايرو آي...»، أشار الوزير القاضي إلى أنّ قطاع الاتّصالات نما بنحو12.5 في العام الماضي، متقدّماً على أرقام النمو في القطاعات الاقتصاديّة كلّها، مذكّراً بتوجيه رئاسي لإنشاء مراكز للإبداع وريادة الأعمال، بأقصى سرعة. وأضاف أنّ «مصر تمكنت من تشغيل شبكة الجيل الرابع لشبكات الهاتف المحمول، وستدخل شبكات الجيل الخامس كي تكون بلادنا من أوائل دول المنطقة المستخدمة لتلك التكنولوجيا». وفي سياق المؤتمر ذاته، لفت محمد أمين النائب الأول لشركة «ديل إي أم سي» Dell EMC في الشرق الأوسط، إلى مستواه التقني المتقدّم، مشدّداً على ضرورة إحراز قدر أكبر من التقدّم فيه. ونبّه إلى معطيات من ضمنها أنّ الآتي من الأيام سيشهد صعوداً لظاهرة «إنترنت الأشياء»، بل دخول الشبكة الإلكترونيّة الدولية مرحلة متقدّمة في الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أنّ قرابة 85 في المئة من الوظائف لن تكون على وضعها الحاضر عند حلول عام 2030، عبر تزايد الوظائف التي يتولّاها الروبوت. وشهد المؤتمر ذاته توقيع اتفاقية بين شركتي «كوالكوم» الأميركيّة و «سيكو مصر» المتخصصة في صناعات السيليكون. وتهدف إلى تحقيق تعاون في نقل التقنيات الأكثر تقدّماً في الاتّصالات إلى المصنع المصري الجديد مع الحفاظ على حقوق الملكيّة الفكريّة في استخدامها. وفي السياق ذاته أكّد جهاد سراج، رئيس منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وشرق أوروبا في «كوالكوم»، أنّ الاتفاقية تعبر عن قناعات مدروسة لدى تلك الشركة العالمية حيال مستقبل صناعة أجهزة الاتّصالات والهواتف المحمولة في مصر، بما فيها فرص التصدير إلى القارة الأفريقيّة ودول المنطقة. في سياق مُشابه، أوضح المهندس محمد سالم رئيس «سيكو مصر»، أنّ الاتفاقية تعطي الحق للمصنع الجديد في التعامل مع مشغلي الاتّصالات العاملين في السوق المصري، إضافة إلى التصدير إلى البلدان المختلفة. الخدمات المتكاملة وتردّداتها في سياق «كايرو آي...»، أوضحت وزارة الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات أنها أوفت بوعودها عبر إتاحة خدمات الجيل الرابع للاتّصالات في 2016، مشيرة أيضاً إلى أنها تملك تردّدات في الاتّصالات تصل قيمتها إلى ثلثي مجموع ما جرت إتاحته منها منذ 1999. وأضاف: «أتاحت التردّدات الجديدة للشركات الأربع تقديم خدمات شبكات الجيل الرابع للخليوي، بل وضعت الحكومة أيضاً رخصاً لتنظيم العلاقة مع الشركات، مع وقوف جهاز تنظيم الاتّصالات على مسافة واحدة منها جميعها». وكذلك أوضحت الشركة المصرية للاتّصالات، أنّها تعتبر تقديم خدمات المحمول، تحقيقاً لحلم في ذلك المجال، مشيرة إلى أنّها أطلقت العلامة التجارية «وي» we كإشارة إلى دخولها مرحلة تكون فيها مشغّلاً يقدم خدمات متكاملة في الاتّصالات المتطوّرة. وأضافت أنها دخلت مرحلة تقديم الخدمات المدفوعة مسبقاً، مع وجود خطط لديها في شأن التوسّع في الخدمات التقنية المقدّمة إلى الجمهور. ولفتت إلى أنّ عدد مستخدميها يفوق ال1.8 مليوناً، مع توقّع ارتفاع العدد إلى مليونين في مستقبل قريب. وكذلك أعرب أسامة كمال الرئيس التنفيذي لشركة «تريد فيرز» المنظمة للمؤتمر والمعرض، عن قناعته بأنّ شركات الخليوي «عليها عبء كبير في مجال إتاحة مزيد من الخدمات والتطبيقات التقنية في الاتّصالات، إضافة إلى ضرورة الاستعداد لتبني تقنيات الجيل الخامس لشبكات الخليوي، التي بدأت دول عدة إجراء تجارب عليها استعدادًا لتطبيقها الموسع في 2020». رؤية للتسويق عبر الإنترنت في مصر لم تعد شبكة الإنترنت تمثّل منصّة للحياة الافتراضيّة وحدها كما يدور في خلد كثيرين، بل صارت أقرب إلى تمثيل نوع من الحياة الموازية. وفي مصر، أجريت دراسة موسّعة، أشار حوالى 80 في المئة ممن شملتهم إلى أنهم لا يستطيعون الحياة من دون الاتصال بتلك الشبكة. وجاءت تلك الآراء، في تقرير أصدرته شركة «إي ماركتينغ إيجيبت» eMarketing Egypt، تحت عنوان «رؤى عن التسويق الإلكتروني في مصر». وتضمّن التقرير الذي يصدر سنويّاً للمرّة الثامنة، نتائج استطلاع آراء عيّنة فاق عددها الثلاثة آلاف من مستخدمي الشبكة العنكبوتية في مصر. وتحوّطت الدراسة للدقّة في الإحصاء، وبلغت درجة الثقة الإحصائيّة فيها 99 في المئة، مع هامش فائق الضآلة من الخطأ. وأجاب التقرير عن خمسة أسئلة رئيسة. تمثّل الأول في استطلاع الاتجاهات الأساسيّة في استخدامات مواقع التواصل الاجتماعي. وبالنسبة الى موقع «فايسبوك»، تأتي مصر في المركز ال11 بجمهور يبلغ ال36 مليون مستخدم حاضراً، ما يعادل قرابة 2 في المئة من إجمالي جمهوره عالميّاً. وتتبوأ المركز الأول عربيّاً لأن ذلك الجمهور يمثّل قرابة رُبع جمهور «فايسبوك» عربيّاً (قرابة 145 مليون مستخدم عربي). وتناول السؤال الثاني هوية مستخدمي الإنترنت من ناحية الخصائص الديموغرافية تحديداً. وبفضل إحصاءات يتيحها «فايسبوك» للمعلنين، توضّحت الصورة العامة لتلك الخصائص. إذ تبيّن أنّ 64 في المئة من المستخدمين ذكور، بينما شكّلت الإناث قرابة 36 في المئة، وكانت أعمار 51 في المئة منهن أقل من 25 سنة. وتبيّن أيضاً أنّ 94 في المئة من الجمهور يتصل مع «فايسبوك» باستخدام الخليوي، وأحياناً مع أجهزة أخرى كالحاسوب وال «تابلت» وال «لاب توب» وغيرها. وتناول السؤال الثالث آراء مستخدمي الإنترنت وتوجهاتهم، خصوصاً مدى اعتمادهم على مواقع التواصل الاجتماعي في حياتهم العاديّة. وجاء في التقرير أنّ حوالى 81 في المئة من المستخدمين لا يستطيعون الاستغناء عن الإنترنت. وأكّد 87 في المئة منهم أنّ أهم فائدة للإنترنت هي الحصول على فرص للتعلّم. ومثلّت عمليات البحث عن المعلومات نحو 78 في المئة من نشاطات الجمهور، فيما جاء التواصل الاجتماعي في المرتبة الثانية (77 في المئة). الأسرة والأصدقاء أولاً تمحور السؤال الرابع في الدراسة عن أبرز أنماط استخدام موقع «فايسبوك» في التواصل الاجتماعي الإلكتروني. وتبيّن أنّ معظم جمهور «فايسبوك» (83 في المئة) يستخدمونه يوميّاً، وتشهد فترة المساء المتأخّر أعلى معدلات النشاط، وفق ما أكّده 60 في المئة من عيّنة الدراسة. وظهر أيضاً أن حوالى 92 في المئة منهم يستخدمون «فايسبوك» للبقاء على تواصل مع الأهل والأصدقاء أولاً، بينما يأتي اكتساب المعرفة أو الحصول على النصائح والتشبيك الاجتماعي في المقام الثاني بالنسبة الى حوالى 85 في المئة من المستَطلَعين. وجاء التفاعل مع ما ينشره الأصدقاء في صفحاتهم على «فايسبوك» على رأس نشاطات مستخدمي «فايسبوك» (62 في المئة). وتناول السؤال الخامس طُرُق تفاعل مستخدمي الإنترنت مع الأدوات التسويقيّة والإعلانات الإلكترونيّة. ووثّقت الدراسة أنّ صفحات «فايسبوك» تمثل إحدى أبرز أدوات التسويق، إضافة إلى أنّ الإعجاب بالصفحات التجاريّة يحدث في المقام الأول تحت تأثير الحصول على تخفيضات وعروض وهدايا بالنسبة الى حوالى 33 في المئة من الجمهور، وهي النسبة ذاتها بالنسبة الى متابعة الأخبار والاطلاع على محتوى جديد. وتجاهل 10 في المئة من مستخدمي الإنترنت الإعلانات الإلكترونيّة تماماً، فيما التفتت أنظار 61 في المئة منهم إليها، وأعرب 26 في المئة منهم أيضاً عن الرغبة في متابعتها، على رغم أن خُمسَهم لا يثق بها! في المقابل، أبدى 32 في المئة من أفراد العينة ثقة في الإعلانات المتصلة بالتكنولوجيا، و34 في المئة في تلك المتعلقة بالاتصالات، و27 في المئة في الأزياء والموضة، فيما ارتفعت الثقة إلى 62 في المئة بالنسبة الى الأجهزة المنزليّة. والطريف أن رُبع الجمهور أوضح أنّه «لا يثق أبداً» بالإعلانات الإلكترونيّة المتصلة بالقطاع المالي!