يقول الخبر إن عضو مجلس الشورى الدكتور زهير الحارثي بصدد تقديم توصية حقوقية إلى المجلس تتعلق بزواج القاصرات ومشاركة المرأة السعودية في الانتخابات المزمع إقامتها بعد شهر رمضان المبارك. في هذا الخبر أربع قضايا جديرة بالمناقشة. الأولى: نية الدكتور زهير تقديم الوصية إلى المجلس وعرض هذه النية أولاً على وسائل الإعلام ثم تمريرها بعد ذلك إلى أعضاء المجلس، والقضية الثانية زواج القاصرات، والقضية الثالثة مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات، والقضية الرابعة أداء مجلس الشورى السعودي وضوابط عمله وكيفية دخول قضايا المجتمع إليه وشكل مخرجاته! يعتقد الدكتور زهير - وهذا من أبسط حقوقه - أن التواصل مع الإعلاميين وإخبارهم بنيات أعضاء مجلس الشورى واطلاعهم على مسودات المشاريع قبل دخولها المجلس، يعتقد أن في ذلك تكتيكاً نيابياً لا بد منه لإبقاء العضو في دائرة الضوء، وهو الذي يوصف (أي العضو) في مجالس الناس العادية بالسعودية بأنه غائب في دوائر الظل، الناس في السعودية يظنون أن أعضاء مجلس الشورى بعيدون عن هموم المواطن ومنحازون إلى السكوت والفراغ والجدة، لذلك صار زهير وبعض زملاء زهير يتعمدون الظهور إعلامياً ليقولوا للناس إنهم حاضرون ومهتمون بنبض الشارع وسكناته وحركاته، كي لا يظن أحد أن مرحلة الغياب في الظل التي تتلو عادة هذا النوع من التصاريح الإعلامية هي بسبب تقصير العضو نفسه! الدكتور إذن ذهب أولاً إلى شمس الإعلام لينتصر لنفسه قبل أن ينتصر لمجتمعه! هل في ذلك مخالفة لمهنية العضو؟ أم أنها حق من حقوقه؟ أم أن المسألة لا تستدعي أصلاً طرح السؤالين السابقين؟ الإجابة أتركها للقارئ الكريم لحين انتهاء مجلس الشورى من درس التوصية الحقوقية التي تقدم بها العضو زهير. القضية الثانية: تتعلق بزواج القاصرات، فعلى رغم تعدد أسماء الزواج وتنوعه لدينا في السعودية، إلا أن هذا النوع من الزواج فاز بالنسبة الكبرى من حديث الشارع والإعلام على حد سواء في السنوات الخمس الأخيرة، وربما يرجع ذلك إلى أنه الزواج الوحيد المنسوب إلى متعلق نسوي، بعكس الزواجات الأخرى المنسوبة للسفر والجيرة والصداقة وغيرها من التصنيفات التي طرأت أخيراً على الحياة العامة. لو كان اسم هذا الزواج «زواج القاصرين» لربما تم التعامل معه إيجابياً منذ زمن بعيد، لكن لأنه خاص بالمرأة فسيظل مادة يتداولها الصحافي والخطيب والداعية والمحلل الاجتماعي والطبيب النفسي وربما لاعب كرة القدم لفترة طويلة! سيظل مادة مطروحة للنقاش لكن بلا حل رسمي، إذ ليس هناك قانون «سلفي» متعلق بهذا النوع من الزواج، ولا أظن أنه سيُسن قانون «عصراني!» ينهي هذه القضية المعلقة بسبب عدم الاختصاص في كل أجهزة الدولة! القضية الثالثة، أيضاً مصدر للصداع اليومي الدائم، النساء يبكين حظهن في أنهن غير قادرات على ترشيح ممثليهن في الانتخابات البلدية، والرجال المتعاطفون مع النساء يتحدثون عن تغييب «نصف» المجتمع عن المشاركة في انتخابات يختار المشاركون فيها «نصف» أعضاء المجالس البلدية، والمتشددون الثائرون بلا قضية يرفضون رفضاً باتاً مشاركة المرأة من باب (وقرن في بيوتكن) اتقاءً للفتنة والافتتان. وباقي الناس ليسوا مع مشاركة المرأة لأن خطيب الحي الذي يسكنون فيه قال لهم ذات جمعة إن مشاركة المرأة في الانتخابات تنطوي على علمنة فاسدة وليبرالية متفسخة مثلما هي الحال في دول الغرب الكافرة! وستظل هذه القضية حديث الصحافي والخطيب والداعية والمحلل الاجتماعي والطبيب النفسي ولاعب كرة الريشة (أو البادمنتون لمن يحب المصطلحات الغربية)، ستظل بلا حل لأن العلماء «السلفيين» الذين كانوا يعيشون في الجزيرة العربية وما جاورها لم يورثوا لنا فتوى دينية تبين الموقف من هذه المشاركة الشعبية، ولا أظن أن هناك جهة ما أو جهازاً ما في الوقت الحالي سيكون قادراً على سن قانون «عصراني» ينهي به هذه الاشكالية التي فتحت عيون فضائيات العالم على شؤوننا الداخلية. لا أحد سيتصدى لهذه القضية بحكم عدم الاختصاص، وسنظل نردد ونعيد ونسود الحبر سائله والكترونيه على أمل خروج جهة مختصة! القضية الرابعة في الخبر، هي مجلس الشورى نفسه الذي ينتمي له الدكتور زهير، كل المجالس النيابية في العالم هي مجالس تشريعية في الأساس وليست مجالس دراسات وتوصيات فقط. المجالس النيابية في العالم هي المكان الذي يتم فيه البت في القضايا الطارئة ووضع القوانين المسيرة لها (بحكم الاختصاص)، فالحديث مثلاً والأخذ والرد حول «زواج القاصرات» كان سينتهي منذ زمن طويل لو أن مجلس الشورى اتخذ موقفاً (تنفيذياً) فاعلاً وحدد سن الزواج للبنات بحيث يكون في عمر ال «18 عاماً» فما فوق وأرسل هذا القانون الملزم إلى المحاكم ومأذوني الأنكحة للتقيد بمفرداته ونصوصه. ومشاركة المرأة في الانتخابات كانت ستدخل حيز التنفيذ أو عدم التنفيذ لو أن المجلس سن قانوناً ينص فيه على مشاركة المرأة أو عدم مشاركتها! عندما يتحول مجلس الشورى إلى جهة تشريعية فسنضمن عدم خروج الدكتور زهير إلى الإعلام ليثبت أنه يعمل بصدق من أجل المجتمع. وسنضمن وجود مخارج قانونية لكل مشكلاتنا المعلقة، ابتداءً من اقتحام جوال «أبو كاميرا» لخصوصيتنا السعودية، ومروراً بزواج القاصرات، وليس انتهاءً بمشاركة المرأة في الانتخابات. عندما يتحول مجلس الشورى إلى «جهة اختصاص»، ستتنفس شريعتنا السمحة هواءً نقياً، وستتشمس تحت نور العصر وهي الصالحة لكل زمان ومكان. * صحافي وكاتب سعودي. [email protected]