في تصعيد لخيار الحسم الأمني في سورية ضد الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، أرسل الجيش السوري تعزيزات جديدة الى مدينة درعا، فيما تواصلت عمليات إطلاق النار والمواجهات غداة اقتحام الجيش للمدينة مدعوماً بدبابات وقناصة، بينما قال شاهد عيان في مدينة بانياس إن قوات الأمن تمركزت أمس على التلال المحيطة بالمدينة استعداداً لشن هجوم محتمل عليها لإنهاء الاحتجاجات الشعبية المنادية بإصلاحات ديموقراطية. وفي غضون ذلك، ذكرت منظمة حقوقية سورية إن 400 مدني على الأقل قتلوا حتى الآن في الاحتجاجات التي اندلعت قبل نحو ستة أسابيع، فيما قالت منظمة «سواسية» السورية لحقوق الإنسان أمس إن قوات الأمن اعتقلت أكثر من 500 من الناشطين والداعمين لحركة الاحتجاجات في البلاد عقب اقتحام الجيش لدرعا وتطويقه لها. ويأتي ذلك فيما قالت الوكالة السورية للأنباء (سانا) إن جثامين 15 من أفراد قوى الأمن والجيش شيعت من «مستشفى تشرين العسكري» قرب دمشق، الى مساقط رؤوسهم في أماكن مختلفة في البلاد، وزادت إن العناصر «استشهدوا برصاص المجموعات الإجرامية المسلحة» في الأيام الأخيرة، مشيرة الى أن جثامينهم «شيعت في مواكب مهيبة حيث حملت جثامينهم الطاهرة على الأكتاف ملفوفة بعلم الوطن وعزفت موسيقى الجيش لحني الشهيد والوداع». ونشرت الوكالة قائمة بأسمائهم ورتبهم مع صور لهم على أكتف عناصر من الجيش. وعن تطورات الوضع في درعا، قال الناشط الحقوقي عبد الله أبا زيد في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس» إن «تعزيزات أمنية وعسكرية جديدة دخلت درعا». وتابع إن «هناك دبابة في ساحة كازية البلد في وسط درعا»، التي تبعد مئة كيلومتر عن دمشق. وأضاف إن «إطلاق النار مستمر على السكان». كما أوضح أن «مسجد أبو بكر الصديق يتعرض لنيران كثيفة ويتمركز قناصة فوق مسجد بلال الحبشي. وقد نشرت دبابات وأقيمت حواجز عند مداخل المدينة» ويمنع الناس من دخولها. وأضاف إن «جنوداً من الفرقة الخامسة انشقوا وانضموا إلينا ويتواجهون» مع الجيش الذي يحاصر درعا، موضحاً أن منزل مفتي درعا الذي استقال يوم السبت احتجاجاً على قمع الحركة الاحتجاجية في درعا «مطوق ... لكن المفتي ليس موجوداً في منزله». وقال سكان في المدينة إن المياه والكهرباء قطعت تماماً عن المدينة، كما قطعت كل وسائل الاتصال كالتلفونات والانترنت. وقالت وكالة «اسوشيتدبرس» أمس إن إطلاق النار تواصل في درعا، فيما ظلت الجثث ملقاة في الشوارع منذ أول من أمس، ولم يأت أحد لينقلها للمستشفيات تمهيداً لتسليمها لذويها. وذكرت الوكالة أن قوات الأمن السورية قامت أمس بحملة اعتقالات شملت العشرات في ضواحي دمشق ومدينة جبلة. من ناحيته، تحدث الجيش السوري عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش و»المجموعات الارهابية». وقال الجيش إن «وحدات من الجيش بمشاركة القوى الأمنية تلاحق المجموعات الإرهابية المتطرفة في المدينة وتلقي القبض على العديد منهم وتمت مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر». وأشار الى وقوع «عدد من الشهداء والجرحى في صفوف الجيش والقوى الأمنية ... وعدد من القتلى والجرحى في صفوف المجموعات الإرهابية المتطرفة». وأكدت السلطات السورية التي تتهم منذ بدء الاحتجاجات «عصابات مسلحة» بالوقوف خلف التحركات الشعبية، أن الجيش دخل درعا «استجابة لاستغاثات المواطنين والأهالي في درعا ومناشدتهم القوات المسلحة ضرورة التدخل ووضع حد لعمليات القتل والتخريب والترويع الذي تمارسه المجموعات الإرهابية المتطرفة، قامت بعض وحدات الجيش بالدخول صباح (أول من) أمس إلى مدينة درعا لإعادة الهدوء والأمن والحياة الطبيعية إلى المواطنين». الى ذلك قال أحد قادة الاحتجاجات في سورية إن قوات الأمن تمركزت أمس على التلال المحيطة ببانياس استعداداً لشن هجوم محتمل على المدينة الساحلية لإنهاء الاحتجاجات الشعبية. وقال أنس الشغري لوكالة «رويترز» من بانياس التي شهدت تكثيفاً للاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية: «انتشرت قوات ترتدي زياً أسود وتحمل بنادق كلاشنيكوف على التلال. مرت حاملات جند مدرعة على الطريق المتاخم لبانياس ليلاً». وقال: «نتوقع هجوماً في أي لحظة. سنستقبلهم عند البوابات بصدورنا العارية». وجرت عمليات أخرى لقوات الأمن أول من أمس في المعضمية الضاحية القريبة من دمشق ودوما (15 كلم شمال دمشق). وقال شاهد في دوما إن دوريات للقوات الأمنية «تمنع الناس من مغادرة بيوتهم حتى لشراء الخبز». وقتل 13 شخصاً وجرح عديدون آخرون برصاص قوات الأمن في جبلة قرب اللاذقية (شمال غرب)، كما ذكر ناشط حقوقي لوكالة «فرانس برس». وذكر شاهد إن «مجموعة من القناصة ورجال الأمن أطلقوا النار في شوارع جبلة الأحد بعد زيارة قام بها محافظ اللاذقية الجديد عبد القادر محمد الشيخ الى المدينة للاستماع الى مطالب السكان». الى ذلك قالت منظمة ‘سواسية» السورية لحقوق الإنسان أمس إن قوات الأمن السورية قتلت بالرصاص 400 مدني على الأقل خلال الاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية. وأضافت المنظمة التي أسسها محامي حقوق الإنسان المعتقل مهند الحسني إن على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد جلسة عاجلة لاتخاذ إجراءات ضد المسؤولين السوريين في المحكمة الجنائية الدولية «وردع القوات الأمنية والمخابراتية». وقالت المنظمة في بيان أرسلته الى رويترز: «إن هذا التصرف الوحشي الذي يهدف الى ابقاء الزمرة الحاكمة في السلطة على حساب أرواح متزايدة من المدنيين العزل يستوجب تحركاً دولياً ناجعاً فورياً يرقى الى أبعد من بيانات الاستنكار». وأضاف البيان: «يجب أن يؤدي أي تحرك لمجلس الأمن الى المحاسبة الفورية للقتلة... ولا نريد أن تجري في سورية أنهار جديدة من الدماء. يكفينا ما شهده هذا الشعب وما قدمه من أرواح والدماء التي سفكت لمقاومة النظام القمعي في الأربعة عقود الماضية». وعلى صعيد متصل مثل المعارض السوري محمود عيسى الذي تم توقيفه الأسبوع الماضي في مدينة حمص السورية (وسط) أمام القضاء العسكري أمس لحيازته هاتفاً يعمل عبر الأقمار الاصطناعية، بحسب ما أفاد ناشط في مجال حقوق الإنسان. وقال رامي عبد الرحمن رئيس لجنة مراقبة حقوق الإنسان لوكالة «فرانس برس» إن «الناشط والمعارض محمود عيسى يلاحق من قبل القضاء العسكري بسبب حيازته هاتفاً من نوع ثريا وجهاز حاسوب متطوراً». وتم توقف عيسى في التاسع عشر من الشهر الجاري بعد ساعات من إعلان رفع حالة الطوارئ في البلاد وبعد إجراء مقابلة مع قناة «الجزيرة» الفضائية القطرية حول الأوضاع في سورية