بدأت في أنقرة أمس محاكمة رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي صلاح الدين دميرطاش، لاتهامه بنشاطات «إرهابية». واعتُقل دميرطاش (44 سنة) في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، مع عشرة من نواب الحزب، مع اتساع حملة «تطهير» شنّتها السلطات بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) 2016. ويتهم القضاء دميرطاش بالانتماء إلى «منظمة إرهابية» وقيادتها وب «دعاية إرهابية» و «التحريض على ارتكاب جرائم»، وقد يُحكم بسجنه 142 سنة. وتعتبر السلطات التركية «حزب الشعوب الديموقراطي» واجهة سياسية ل «حزب العمال الكردستاني» المحظور، والذي تصنّفه أنقرة وواشنطن وبروكسيل «إرهابياً». لكن الحزب يرفض الاتهامات، متحدثاً عن استهداف سياسي بسبب معارضته الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويؤكد الحزب أن لائحة الاتهام، وهي من 500 صفحة، تأخذ في شكل رئيس على دميرطاش وقائع مرتبطة بعمله السياسي، مستندة إلى خطابات وبيانات صحافية. وبدأت المحاكمة في مجمّع سجن سنجان قرب أنقرة، لكن السلطات لم تسمح لدميرطاش بالحضور في الجلسة، لأسباب «أمنية». كما رفضت مشاركته عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من سجن أدرنة شمال غربي تركيا، فيما طلب مدع عام إبقاءه محتجزاً خلال محاكمته. واعترض محامو دميرطاش على التهم الموجهة إلى موكلهم، مؤكدين انه لم يمارس سوى نشاطات سياسية مشروعة. وطلبوا إسقاط الملاحقات ضده وإطلاقه، لكن النيابة طلبت مواصلة توقيفه. وتجمّع مئات الأشخاص أمام المحكمة، دعماً لدميرطاش، وشبكوا أيديهم ورقصوا حول حرائق محدودة، وغنوا باللغة الكردية، هاتفين «دميرطاش شرفنا». وقالت متظاهرة إن «الجريمة الوحيدة لدميرطاش هي أنه معارض لأردوغان»، فيما رفع آخرون لافتات كُتب عليها «الضغوط لن ترهبنا أبداً» و «حزب الشعوب الديموقراطي هو الأمل والأمل موجود دائماً». وتطاول المحاكمة 31 ملفاً، دمجها القضاء في قضية واحدة. ومنذ توقيفه، لم يمثل دميرطاش أمام محكمة، علماً أنه يتعرّض لأكثر من مئة إجراء قضائي. تزامن ذلك مع إعلان هيئة الدفاع عن الزعيم الكردي أن مجهولين سطوا الأحد الماضي على مكتب واحد من محاميه، سرقوا خلالها جهاز كومبيوتر حفظ فيه مرافعات الدفاع عنه لجلسة امس. وأوقف نواب «حزب الشعوب الديموقراطي» بعد رفع الحصانة البرلمانية عن النواب الملاحقين قضائياً، في أيار (مايو) 2016، في إجراء اعتبره الحزب مناورة من الحكومة لاستهدافه. كما حُرم 5 من نوابه ال59 من مقاعدهم البرلمانية، بينهم فيغين يوكسكداغ، الرئيسة المشاركة للحزب، المعتقلة أيضاً. واعتبر هيو وليامسون من منظمة «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان أن هذه العناصر تشي ب «صعوبة ألا نستنتج أن المحاكمة ضد (دميرطاش) ليست سوى مبادرة دوافعها سياسية من الحكومة التركية، لتخريب المعارضة البرلمانية». ودميرطاش محام يُلقب ب «أوباما الكردي»، في إشارة إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وحوّل «حزب الشعوب الديموقراطي» تشكيلاً يسارياً حديثاً يجذب ناخبين أبعد من مؤيّديه الأكراد. ونشر خلال احتجازه مجموعة قصص بعنوان «فجر»، وُزعت في أيلول (سبتمبر) الماضي ونفدت كل نسخها ال20 ألفاً في 3 أيام، كما أعلنت دار النشر «ديبنوت» التي أفادت بأنها ستطبعها للمرة ال15، ووزعت 155 ألف نسخة في السوق. إلى ذلك، فتحت النيابة العامة التركية تحقيقاً في حق رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارض كمال كيليجدارأوغلو، بعدما قدّم حسين إيدين، محامي أردوغان، شكوى تتهم زعيم المعارضة البرلمانية بإهانة الرئيس، وتصل عقوبتها إلى السجن 4 سنوات. وفي الشكوى التي نشرها ايدين على موقع «تويتر»، يقتبس المحامي مقتطفات من خطاب لكيليجدارأوغلو، ورد فيها أن أردوغان لم يدع تركيا «بسلام»، وزاد: «إذا كنتم تبحثون عن خائن للشعب، ذلك الشخص جالس في القصر». واتهم الرئيس ب «التغاضي عن الفساد»، معتبراً انه سيُحاسب على أخطائه. وتأتي الشكوى ضد زعيم المعارضة بعدما رفع أردوغان دعوى في حقه الشهر الماضي، إثر اتهامه أفراداً من عائلة الرئيس، بينهم شقيقه ونجله، بتحويل 15 مليون دولار إلى شركة في جزيرة «مان» التابعة للعرش البريطاني وتُعتبر جنّة ضريبية. لكن أردوغان وصف الاتهامات ب «اكاذيب»، وتحدى كيليجدارأوغلو إثبات صحتها. في غضون ذلك، أعلن وزير المال التركي ناجي إقبال أن حكومة بلاده ستتخذ إجراءات ضرورية، إذا تأثر نظامها المصرفي بملف محاكمة محمد هاكان أتيلا، النائب السابق للرئيس التنفيذي ل «بنك خلق» المملوك للدولة التركية في نيويورك، في اتهامات بمساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها. وأضاف: «إذا حدث أي شيء، فسنساند المصارف. يجب ألا نسمح بأي تبعات محتملة تضعف نظامنا المصرفي».