لم يجد زعيم المعارضة التركية كمال كيليجدارأوغلو ما يعبّر من خلاله عن غضبه وقلّة حيلته وعجزه أمام هيمنة الرئيس رجب طيب أردوغان، سوى أن يصفه بفرعون، وأن يتوعده بموسى لكي ينهي حكمه وسلطانه. ولعل هذه المبالغة الكلامية في التوصيف تعكس شعور كثيرين في تركيا، ممّن صوتوا برفض النظام الرئاسي، في الاستفتاء الذي نُظم في نيسان (أبريل) الماضي، وقاربت نسبتهم نصف الشعب التركي. فأردوغان لا يكتفي بجمع الصلاحيات في يده، بل يستمتع بعرضها والمفاخرة بها، واستخدامها إلى أقصى حد، رافضاً من منافسيه أو خصومه السياسيين أي شيء سوى إذعان تام. ولم يتوقّع زعيم المعارضة أن تلفت مسيرته السلمية على الأقدام، من أنقرة إلى إسطنبول، اهتمام الحكومة والرئيس، إذ لجأ إلى هذا النوع من الاحتجاج على سجن نائب من حزبه 25 سنة، من باب أضعف الإيمان، ولم يتوقّع مراقبون كثيرون أكثر من إظهار الحكومة سخرية وتشفياً تجاه المسيرة «الغاندية» لكيليجدارأوغلو. لكن الجميع فوجئوا بهجوم قوي من أردوغان، شبّه فيها زعيم المعارضة بالانقلابيين، بسبب مسيرته، بل هدده بأن «تدق أجهزة الأمن بابه قريباً»، ليلقى مصير النائب الذي يحتج على حبسه، في اعتراف ضمني بهيمنته على القضاء. ودفع ذلك كتاباً صحافيين إلى التساؤل عن «الهامش الذي يسمح أردوغان للمعارضة بأن تعمل ضمن حدوده»؟ ويجد كيليجدارأوغلو نفسه في وضع صعب، إذ إضافة إلى هيمنة أردوغان على كثير من مؤسسات الدولة، اختار حزب «الحركة القومية» الانضمام إلى الحكومة ودعمها في البرلمان، متخلياً عن انتقاداته السابقة لها، ومبدلاً مواقفه بعد «صفقة سياسية» مع الرئيس. أما «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي فهو ينهار سياسياً ومغيّب برلمانياً، بسبب حبس عدد ضخم من نوابه. وبذلك يصبح «حزب الشعب الجمهوري» وكيليجدارأوغلو الممثلين الأوحدين للمعارضة البرلمانية الفاعلة في تركيا، ما يجعله في مركز اهتمام أردوغان الذي يركّز على كل تحركاته وتصريحاته، ساعياً إلى شقّه من الداخل. وهذا وضع يجعل كيليجدارأوغلو يشعر بضعف وقلة حيلة، لا يجد معهما سوى الحديث عن غاندي وموسى. في غضون ذلك، جمع أردوغان رجال الأعمال أصحاب المؤسسات الإعلامية التركية على مائدة إفطاره، معتبراً أمامهم أن الإعلام يعيش أفضل حالاته في تركيا الآن، تنوعاً وتأثيراً وصدقية. وانتزع بذلك عاصفة تصفيق ممّن كانوا حتى فترة وجيزة يشتكون من تدخل الرئيس في مؤسساتهم، إذ فرض عليها رؤساء تحرير مقربين منه، وضغط لطرد معارضيه منها، كما استخدم سلاح الضرائب لإخضاعها، لا سيّما في ما يتعلّق بأيضن دوغان، مالك صحيفة «حرييت» وشبكة «سي أن أن ترك». ويذهب أردوغان أبعد من ذلك، محاولاً تفنيد مقولة حبس 177 صحافياً في تركيا، بقوله: «هؤلاء ليسوا صحافيين. معظمهم لا يحمل بطاقة صحافية، وهم مسجونون بتهم تتعلّق بالإرهاب». وبين هؤلاء صحافيون من جريدة «جمهورييت» المعارضة، والباقون سحبت رئاسة الوزراء بطاقاتهم الصحافية قبل أشهر، من دون سبب أو توضيح ومن دون منحهم الحق في التظلّم. في السياق ذاته، بدأت أمس محاكمة 17 شخصاً، معظمهم صحافيون، لاتهامهم بدعم منفذي محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) الماضي. في أثينا، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أن بلاده تحترم قرار اليونان الامتناع عن ترحيل 8 جنود أتراك فرّوا إليها بعد المحاولة الفاشلة. وأضاف في مؤتمر صحافي مع نظيره اليوناني أليكسيس تسيبراس: «نرغب في أن تسلّم اليونان مَن نفذوا في شكل واضح انقلاباً ضد دولتنا. نحترم قرار القضاء ولا نريد لهؤلاء الانقلابيين أن يؤذوا العلاقات التركية- اليونانية». وشدد تسيبراس على أن «القضاء اليوناني قال كلمته في هذا الملف، ويجب احترام قراره».