بعد رحلة سيراً على الأقدام استمرت 25 يوماً، وصل رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارض كمال كيليجدارأوغلو إلى إسطنبول أمس، منهياً مسيرته بتظاهرة شعبية حاشدة في ساحة «مالطبا» في القسم الآسيوي من المدينة. واختصر كيليجدارأوغلو مسيرته، لينهيها قبل موعدها المقرر سلفاً، من أجل تجنّب الاصطدام بتظاهرات يُعدّ لها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، في الذكرى الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة، وتبدأ في 13 الشهر الجاري في إسطنبول ومدن تركية. ودعا الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إحياء الذكرى، من خلال تظاهرات شعبية، رداً على مسيرة كيليجدارأوغلو التي اعتبرها دعماً للإرهاب وللانقلابيين. وانطلقت المسيرة منتصف الشهر الماضي، احتجاجاً على إصدار محكمة حكماً بسجن النائب عن «حزب الشعب الجمهوري» أنيس بربرأوغلو 25 سنة، لإدانته بكشف أسرار دولة وتسليمه صحيفة «جمهورييت» صوراً لنقل أجهزة الاستخبارات التركية أسلحة لمسلحين في سورية. وحققت المسيرة إقبالاً وتجاوباً شعبياً فاق توقّعات كيليجدارأوغلو الذي أقرّ بأنه اتخذ قراره بالسير على طريقة الزعيم الهندي غاندي، من دون أن يفكّر في الخطوة التالية ولا ترتيب أمور الرحلة. كما فشلت تهديدات أردوغان، الذي اعتبر المشاركين في المسيرة داعمين للإرهاب وللانقلابيين، في دفع المواطنين إلى الامتناع عن المشاركة فيها، إذ بلغت المشاركة في أيامٍ 30 ألفاً. وساهم في المشاركة الشعبية الامتناع عن رفع شعارات حزبية، إذ اعتبر كيليجدارأوغلو أن العدالة واستقلال القضاء باتا مطلباً لكل الأطياف في تركيا، حتى لدى الحزب الحاكم، بعدما تحوّلت المحاكم «عصا تأديب وعقاب في يد أردوغان». ورُفعت في ساحة «مالطبا» في إسطنبول حيث انتهت المسيرة، شعارات تطالب بقضاء عادل ومستقل، ودعا كيليجدارأوغلو كل الأطياف السياسية إلى المشاركة في التظاهرة، بعد حجب أي شعار حزبي خلالها. لكن التيار القومي قاطع المسيرة، بحجة مشاركة نواب أكراد فيها ليوم واحد. وكان كيليجدارأوغلو قال: «لا أريد في التجمّع سوى أعلام (تركية) ولافتات تطالب بالعدالة وملصقات لأتاتورك»، مؤسس تركيا الحديثة. وأضاف: «لن نقول لأحد لا تشارك، ولن نفرض على أحد المشاركة، وطالما أن مَن يشاركنا لن يرفع أي شعارات حزبية وسيلتزم بمطلب العدالة فقط، فهو مُرحب به». وشكا من «إدارة تعسفية» لتركيا، و «تجاوز حدود القانون فيها». ورأى أن «البرلمان معطل والبلاد تُدار بمراسيم يصدرها أردوغان»، متحدثاً عن «إلغاء تام لاستقلال القضاء». وكانت التعديلات الدستورية المتعلّقة بالنظام الرئاسي، والتي أُقرّت في استفتاء نُظم في نيسان (أبريل) الماضي، تقضي أيضاً بتغيير نظام الهيئة العليا للقضاة وتركيبتها، بحيث يختار الرئيس وحزبه في البرلمان أكثر من ثلثَي أعضائها، ما يعني سيطرة سياسية للحزب الحاكم عليها، وفق رأي المعارضة التي تتهم أردوغان والحكومة بممارسة ضغوط مباشرة على القضاة، بحيث باتوا يخشون الحكم بالبراءة أو إخلاء السبيل، في أي قضية يُحاكَم فيها معارضون. وأشارت صحيفة «بيرغون» المؤيّدة للمعارضة إلى نعت الرئيس للزعيم السابق ل «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي صلاح الدين دميرطاش ب «إرهابي» و «قاتل»، قبل بدء محاكمته بتهمة دعم الإرهاب. وسألت: «هل يتوقّع أحد أن يُصدر القاضي حكماً يخالف الحكم الذي أصدره أردوغان على دميرطاش، قبل بدء محاكمته»؟ على صعيد آخر (رويترز)، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية بدء سحب قواتها من قاعدة «إنجرليك» الجوية التركية، حيث تشارك في دعم عمليات «التحالف» ضد تنظيم «داعش». يأتي ذلك بعدما رفضت أنقرة السماح لنواب ألمان بزيارة القاعدة، في خطوة بدت رداً على منع ألمانيا ساسة أتراكاً من تنظيم تجمّعات على أراضيها لدعم الاستفتاء على النظام الرئاسي في تركيا. وستواصل المقاتلات الألمانية العمل انطلاقاً من «إنجرليك»، حتى نهاية الشهر على الأقل، فيما سيُنقل العتاد الضروري إلى قاعدة جوية في الأردن، من المقرر أن تتمركز فيها المقاتلات بحلول تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وكانت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل قالت السبت، إن لقاءها أردوغان، على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ، كشف «خلافات عميقة» بين الجانبين.