يشعر المشاهد العربي هذه الأيام بأن الخبر العاجل لم يعد عاجلاً، إذ يكاد يفقد صفة العجلة بسبب كثرة الأخبار المتأتية من الأحداث وتطوراتها في غير بلد عربي، منذ اندلعت التظاهرات مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي. فمذذاك حتى اللحظة، وربما لأيام وشهور مقبلة إذا ما انتشر النموذج الليبي – لا قدّر الله – في الدول التي يتظاهر شعبها، يبقى هذا الشعار بخط عريض حاضراً على شاشات التلفزة العربية، وبخاصة الإخبارية منها، ما أفقد «الخبر العاجل» صفته ورهبته إذ كان ظهوره المفاجئ، إلى الأمس القريب، يقلق المشاهد ما أن تقع عيناه على الشاشة، فيشده ليتسمّر أمامها حتى يعرف ما استدعى العجلة. وغالباً ما كان الأمر في السابق يحصل في الأحداث الكبيرة والضخمة التي تستدعي العجلة في إذاعتها وإعلام المشاهدين بها، كالانفجارات والاغتيالات والحروب. أما الآن فغدا الأمر مختلفاً وأقرب إلى أن يكون عادياً، ولم يعد المشاهد حين يرى الشعار على الشاشة يسأل بلهفة «ماذا حصل؟»، إذ لم تعد المسألة، على رغم خطورة ما يحدث في غير بلد، خبراً عاجلاً كما كانت مع الحدث التونسي الذي تمثّل بالاعتصام والتظاهر. حينها كان التظاهر في تونس وهي كانت من الدول التي تمنع مثل هذه الأمور لعقود خلت، خبراً عاجلاً فاستحق قطع المحطات التلفزيونية برامجها وتخصيص وقت البث للتظاهر والصدامات التي كانت عادية وشبه طبيعية مع رجال الأمن، إلى أن انتهى الأمر في نهاية المطاف برحيل الرئيس. وكذلك الأمر في مصر تحركاً وتغطية إعلامية ونتيجة أيضاً. لكن حين اندرجت شعوب عربية بالموجة، اختلفت الأمور وغدت أكثر عناداً من السلطات، والشعوب تجاوزت الخوف، فتحولت الأحداث إلى دموية، ووقع الإعلام في مأزق التغطية مع إبقائه شعار «خبر عاجل» حاضراً على شاشته. و «الخبر العاجل» هنا لم يعد في معظمه منسوباً إلى مراسلين محترفين يعملون على الأرض التي يقع فيها الحدث، بل أصبح معتمداً على مصدرين: الأفلام القصيرة المصوّرة بالهواتف الجوالة والمنشورة على مواقع الانترنت، وناشطون حقوقيون يتصلون بالمحطات أو شهود عيان، ويعطونها أرقاماً وإحصاءات عن عدد الضحايا. وكلا المصدرين غير كاف على أهميته، ويظلان أقل دقّة من الإعلاميين المحترفين الذين يتقنون استقاء الأخبار من مصادرها، ويجيدون وصف الوقائع وتقدير أعداد المتجمهرين من ناس ورجال أمن. لكن المحترفين غائبون أو مغيبون. وهذا ما يجعل الأحداث خاضعة للتكهنات والإشاعات والتضخيم، خصوصاً أن كثيراً من الشعوب العربية، تسيّره العواطف فينتفض ما أن يتواتر إلى مسمعه خبر قد يكون ملفقاً أو مختلقاً، هدفه إثارة النعرات. بينما الإعلامي المحترف يعرف كيف يتعامل مع الحدث بموضوعية ودقة وحذر، ويعرف أن عليه أن يأخذ الخبر سريعاً ولكنْ صحيحاً، أما الناس العاديون فيبثّون عبر الانترنت كل ما تلتقطه كاميرات جوالاتهم وينشرون كلاماً ومعلومات من طرف واحد وفيها كثير من الأقاويل والإشاعات. وفي هذا المقام، يتساءل المرء ألا يبدو السماح لمراسلي وسائل الإعلام بدخول الميادين لتقديم عمل محترف، أكثر إفادة لمانعيهم ومقيّدي حركتهم؟