أفاد ناشطون حقوقيون وشهود، ان 40 شخصاً على الأقل قُتلوا وأصيب العشرات امس، لدى إطلاق قوات الأمن السورية الرصاص الحي لتفريق متظاهرين خرجوا في ما سمي «الجمعة العظيمة» في مدن عدة شملت: ضواحي دمشق وريفها، دير الزور، القامشلي، حمص، حماه، بانياس، ودرعا، حيث رُدِّدت شعارات تدعو الى إسقاط النظام، وذلك غداة قرار الرئيس بشار الاسد إلغاء قانون الطوارئ ومحكمة امن الدولة العليا وتنظيم التظاهر السلمي. وبحسب المصادر، سقط قتلى في مدينة ازرع في محافظة درعا، وقتيل في مدينة الحراك في المحافظة نفسها، وآخرون في مدينة دوما القريبة من دمشق. وتحدثت معلومات من مصادر حقوقية لم يتسن التأكد منها بعد، عن سقوط عدد آخر من القتلى والجرحى في مدينة حمص ومناطق المعضمية وزملكا والقابون في دمشق. وفي تفاصيل الاحتجاجات في دمشق، قال شهود إن القوات السورية أطلقت الذخيرة الحية لتفريق تظاهرة ضخمة في ضاحية دوما، ما أدى الى مقتل ستة اشخاص. وأضافوا أن «الآلاف خرجوا الى شوارع دوما» وردّدوا هتافات تدعو الى إسقاط النظام، قبل ان تطلق «قوات الامن النار اولاً في الهواء لتفريقهم، ثم مباشرة على المتظاهرين». وفي قلب دمشق، قال شاهد في اتصال تليفوني مع وكالة «رويترز»، إن قوات الامن أطلقت الغاز من على جسر يشرف على حي الميدان الواقع خارج سور الحي القديم. وأضاف: «كان هناك أكثر من 2000 محتج». وأمكن سماع هتاف: «الشعب يريد إسقاط النظام» خلال المكالمة. وأوضح رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عبد الكريم ريحاوي لوكالة «فرانس برس»، أن «المتظاهرين هتفوا: الشعب السوري واحد، وبالروح بالدم نفديك يا شهيد» عندما «مروا أمام جامع الحسن في حي الميدان قبل ان يفرقهم رجال الامن». كما تحدث عن «خروج نحو ألف متظاهر في حرستا» في ريف دمشق، وقال إن «تظاهرة جرت في مدينة الجديدة (10 كيلومترات غرب دمشق) شارك فيها نحو 150 شخصاً هتفوا: الله سورية حرية وبس». وفي الزبداني (ريف دمشق)، أفاد ناشطون حقوقيون أن «اكثر من 3 آلاف شخص خرجوا للتظاهر من الجامع الكبير في منطقة الجسر في البلدة القديمة، هاتفين بشعارات: الشعب يريد إسقاط النظام، والإعلام السوري خائن، ولا حزب الله و لا ايران نحنا منحرر الجولان، والشعب السوري واحد»، كما طالب المتظاهرون «بالإفراج عن المعتقل كمال اللبواني والمعتقل عماد الدالاتي باصيل، الذي اعتقل الخميس من المدينة، بالإضافة الى مفقودين منذ الثمانينات». وفي مدينة القامشلي (شمال غرب)، ذكر شهود في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس»، أن «تظاهرة ضمت ستةَ آلاف تسير في المدينة بعد ان انطلقت من امام جامع قاسمو»، و «تضم عرباً وأكراداً وآشوريين ووجوهاً من عشائر شمر وطي» وهم «يحملون أعلاماً سورية ولافتات كبيرة كتب عليها: عرب وسريان وأكراد ضد الفساد»، كما هتف بعض المتظاهرين شعارات باللغة الكردية «أزاتي بيراتي»، وتعني «حرية أخوّة» باللغة العربية. وبعد انتهاء الصلاة في محافظة درعا، ذكر شهود في اتصال هاتفي مع وكالة «فرانس برس»، ان ثمانية قتلى سقطوا في مدينة ازرع، وقتيل تاسع في مدينة الحراك في المحافظة نفسها. وأضافوا ان «بين سبعة وعشرة آلاف متظاهر خرجوا من جميع الجوامع باتجاه ساحة السرايا في مركز المدينة». وأشار الى ان المتظاهرين ردّدوا هتافات تطالب «بحلِّ الأجهزة الأمنية وإسقاط النظام»، كما ردّدوا هتافات تدعو الى «إلغاء المادة الثامنة من الدستور» التي تنص على ان «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة». وفي حماه، أفاد ناشط حقوقي أن قوات الامن السورية أطلقت الذخيرة الحية لتفريق احتجاج. وفي حمص، قال الناشط نوار العمر لوكالة «فرانس برس»، إن قوات الامن «أطلقت النار على ثلاث مجموعات من المتظاهرين كانوا في طريقهم الى الميدان» للتجمع وسط المدينة، مضيفاً ان «شخصين على الأقل اصيبا بجروح»، وأن عدد المتظاهرين الذين خرجوا بعد صلاة الجمعة متوجهين في مجموعات للساحة الرئيسية «بلغ عشرات الآلاف». وفي بانياس، أكد الشيخ محمد خويفكية لوكالة «فرانس برس»، أن «نحو عشرة آلاف شخص تجمّعوا في مركز المدينة يدعون الى الحرية والوحدة الوطنية»، مشيراً الى «انضمام عدد كبير من أهالي قرية البيضا إلى التظاهرة». وأضاف أن «المتظاهرين ثارت ثائرتهم عندما ظهر على المنصة ثلاثة معتقلين تم الافراج عنهم البارحة (الخميس) وبدت عليهم آثار التعذيب». وتابع ان «المتظاهرين نادوا بإسقاط النظام عقب رؤيتهم هذا المشهد». وأشار الى «انتشار امني وإقامة نقاط تفتيش على مداخل المدينة». وفي الرقة (شمال)، قال المحامي عبدالله الخليل في اتصال مع وكالة «فرانس برس»، إن «التظاهرات التي قامت في الرقة انطلقت من ثلاثة أمكنة، هي جامع الفردوس وجامع الفوال والجامع الكبير في الساحة الرئيسية»، قبل تفريقهم من جانب «بلطجية». وأضاف ان «اكثر من مئة شخص انطلقوا من امام جامع الفردوس قبل ان يلتحق بهم المئات من الشوارع المجاورة له». وتابع ان «عناصر من البلطجية حاولوا الاندساس بينهم ورفعوا صوراً للرئيس، الا ان المتظاهرين تفرقوا الى تظاهرات صغيرة». وأشار الى أن المشاركين كانوا يهتفون «اسمع اسمع يا درعاوي، أجاك أجاك الرقاوي». كما ذكر أن «أكثر من مئتي متظاهر انطلقوا من امام جامع الفوال واشتبكوا مع البلطجية الذين ضربوا المتظاهرين بالهراوات». وتمت السيطرة على التظاهرة التي انطلقت من أمام الجامع الكبير بشكل مختلف، اذ وقف اعضاء من الحزب، وعلى رأسهم المحافظ عدنان السخني امام الجامع، بحسب المحامي، الذي شاهد المحافظ «يقوم بتوقيع مطالب قدّمها له المواطنون»، واصفاً الامر «بأنه يشبه توزيع هبات». من جهة أخرى، قال الخليل إن «شخصاً واحداً جُرح واعتقل آخران، اثناء تفريق تظاهرة مساء امس شارك فيها نحو ألف متظاهر». وأشار ناشط حقوقي آخر إلى ان «قوات الامن اعتقلت ثلاثة اشخاص من امام جامع الفوال وعشرة اشخاص من امام غرفة التجارة في الرقة». وحسب الرواية الرسمية للأحداث، أشارت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) الى وقوع «بعض الإصابات خلال الاشتباكات» عندما «تدخلت قوات الامن جزئياً في حرستا والحجر الأسود (ريف دمشق) وفي حماه (وسط) والقامشلي (شمال شرق) بواسطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، لفضِّ إشكالات وقعت بين المتظاهرين وبعض المواطنين». وذكرت ان «تظاهرات محدودة خرجت في عدد من المحافظات» على الرغم من «الحملة التحريضية الواسعة التي تتعرض لها سورية». وأفاد مراسلو الوكالة، «ان أعداد المتظاهرين تفاوتت من مدينة لأخرى، حيث سجلت بعض مناطق ريف دمشق ومحافظات حماه (وسط) ودير الزور (شمال شرق) والحسكة (شمال) وبانياس (غرب) تجمعات لأعداد محدودة من المواطنين عقب صلاة الجمعة، هتف المشاركون فيها للحرية والشهيد». وأضافت ان «مدينة درعا شهدت تظاهرة شارك فيها الآلاف هتفوا للحرية والشهيد». انتشار أمني مكثف وسبق التظاهرات انتشار امني مكثف، إذ قال أحد سكان دمشق إن الشرطة أقامت حواجز في أرجاء العاصمة أثناء الليل، وإن قوات الامن انتشرت كذلك عند مداخل المدينة لمنع تدفق المحتجين من الضواحي على ما يبدو. وقبل صلاة الجمعة التي تنطلق بعدها عادة تظاهرات ضخمة، انتشرت قوات الجيش في حمص. وقال ناشط حقوقي إن شاحنات تحمل جنوداً ومركبات مجهزة بالمدافع الآلية شوهدت على الطريق السريع بين دمشق وحمص، وإن جنوداً في مجموعات من خمسة أفراد قاموا بدوريات راجلة في شوارع حمص خلال الليل. وقال إنه كان هناك أيضاً أفراد أمن بملابس مدنية، وآخرون يرتدون زيّاً مموَّهاً. وأضاف آخر أن باصات للجيش أنزلت أفراد أمن يرتدون ملابس رياضية الى الشوارع المؤدية الى ميدان العباسيين. بيان مشترك للمعارضة في هذه الأثناء، اصدرت المعارضة التي تنظم الاحتجاجات أول بيان مشترك لها منذ تفجر الاحتجاجات قبل خمسة أسابيع، طالبت فيه بوقف احتكار حزب «البعث» للسلطة، وإرساء نظام سياسي ديموقراطي. وطالبت «لجان التنسيق المحلية» التي تمثل محافظات سورية، في البيان الذي حصلت «رويترز» على نسخة منه، بالإفراج عن كل سجناء الضمير وبتفكيك الجهاز الامني الحالي واستبداله بآخر ذي اختصاصات قانونية محددة ويعمل وفقاً للقانون. وأضافت ان تحقيق شعارات الحرية والكرامة لن يتسنى الا من خلال التغيير الديموقراطي السلمي. من جانبها، قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدافِعة عن حقوق الإنسان، إن الأسد «لديه فرصة لإثبات نياته بالسماح للاحتجاجات بأن تمضي قدماً من دون قمع عنيف». وقال نائب مدير المنظمة للشرق الاوسط جو ستورك: «الاصلاحات لن يكون لها مغزى الا اذا كفَّتْ أجهزةُ الامن السورية عن إطلاق النار على المحتجين واحتجازهم وتعذيبهم».