العالم العربي مثل ماكينة قمار، يحشر فيها المقامر قطعة معدنية، ثم يحرك مقبضاً لتدور الآلة ومع الحظ - أو الغش - تنهمر القطع النقدية. تهدر الجماهير العربية داخل آلة القمار ورقابها تقطر دماً على أسنان تروس السلطات، فيما ينتظر المقامر جني الثمار. ركّز صندوق النقد الدولي تصريحاته على العالم العربي، بما فيه شمال أفريقيا (يحرص الإعلام الغربي على الفصل بينهما)! وخلال الأشهر الماضية كانت إشاراته واضحة لنوايا الدخول في رحلة قنص برداء الاستثمار، يعرض المساعدة، داعياً للحكم الرشيد، معلناً تأييده لحركة التغيير، محذراً من فاتورة الثورات العربية، ويعقد جلسات لنقاشها، وينبه لمخاطر ارتفاع أسعار الغذاء (الفاو قالت إنها انخفضت). الصندوق يؤسس للمرحلة «الاقتصادية» الجديدة، نسي الناس كيله المديح لتجربة مبارك الاقتصادية في مصر، واستبعاده تكرار ما حدث في تونس. توفر حرائق العالم العربي فرصاً للطيور الجارحة، المؤسسات المالية من أخطرها، أمام النيران تهرب رؤوس الأموال، لتقدم لها هيلاري كيلنتون الفرصة بمؤتمر للمستثمرين العرب مع الأميركان، بعد أن طار جزء معتبر منها إلى شرايين الاقتصاد الغربي، النيران تخصب الأرض وتسمدها لفلاحة جديدة، وانظر إلى الخراب في ليبيا بأيدي القذافي والحلفاء. قد يقول قائل إن ما يعرف بالمؤسسات المالية الدولية موجودة من باب نظام يراد إسقاطه، أو من نافذة قيادة الثورة الطامحة، وفي هذا القول جانب من الصحة، لكن شراكة التأسيس والاحتضان لها ثمن أفدح والمؤسسات المالية على علاقة بما يحدث، فهي أدوات للدول الغربية، ولعلك تنظر إلى عروض المساعدات السياسية للأحزاب المصرية «الناشئة» التي تعرضها مؤسسات أميركية. التنشئة مهمة، والقتال على الفرص الاقتصادية بشعارات تلهب عواطف الجماهير على أشده. تراهن المؤسسات الغربية، سياسية كانت أو اقتصادية، على الحالة القلقة، والغموض الذي يلف مستقبل العالم العربي تؤججه وتتدخل عسكرياً، لتفصيله على مقاس يناسبها، ففي حين تريد الجماهير التخلص من أنظمة جائرة مثل غريق، يمكنها تقبل أية مساعدة، وكل شيء بثمنه. والنتيجة حكمة تقول: «إذا لم تستثمرهم... سيقامرون بهم»، هذه الجماهير لم تستثمر وتحترم فكانت عرضة للمقامرة. الإشارات الغربيةالجديدة عن ليبيا التي تقول «إن المسألة ستطول»! لم تكن مفاجئة، إطالة الأزمات تحقق التمكين والفرز المناسبين، لذلك أعلن صندوق النقد صراحة دعمه للتغيير، وتقديم الأموال لمصر وتونس «إذا» تقدمتا بطلب، فالمهم هو التوقيع، واستضاف مؤتمر للصندوق في واشنطن وائل غنيم، الذي ظهر اسمه في ثورة مصر، فهاجم غنيم المؤسسات المالية كشريك لمبارك، لا أشك لحظة في أنهم سيعلنون التوبة قائلين «آخر نوبة»، وبدل مبارك غيره، فهم يحتضنون الشباب، معلنين القطيعة مع «الشياب»، وكأننا أمام مشروع خصخصة على مستوى الدول... العربية بما فيها شمال أفريقيا. www.asuwayed.com