نفض الغرب يديه بسرعة من نظام الرئيس التونسي السابق. ترددت باريس في التعليق على ثورة الشارع مع قربها من النظام وخصوصية علاقة، انتظرت وترقبت، إلا أنها في النهاية فكرت في مصالحها. لمعت عينا الثعلب الفرنسي معلنة مراقبة حسابات بنكية في خطوة متقدمة تستدرك التأخر، بعدم رفض استقبال الصديق الهارب وإعلان عدم الترحيب بأقاربه المتواجدين في فرنسا! أميركا كانت أقل تردداً، وصف رئيسها الثورة التونسية بالشجاعة، لكن ما تخفي الصورة للأحداث أن تونس الأمس هي النظام النموذجي في المنطقة بالنسبة الى الغرب. جرى حقنه حتى بالتقارير الاقتصادية الإيجابية، فخلال السنة الماضية أصدر صندوق النقد الدولي تقارير عدة يمتدح فيها أداء الاقتصاد التونسي حتى صوره نموذجياً في سرعة النمو والخروج من الأزمة المالية العالمية. ومن اللافت أن الزعيم معمر القذافي استخدم هذه التقارير للتعبير عن استغرابه مما يحدث ممتدحاً الأوضاع الاقتصادية في تونس، مفضلاً إياها في بعض قطاعاتها على ليبيا! لم أجد كلمة في المتناول تصف بدقة دوافع ظهور زعيم الثورة الليبية بتلك الصورة، وهو الثوري المستمر في الثورة منذ اعتلائه السلطة وأقدم ثائر في المنطقة ومشبع الجماهير بالخطابات. لكن تلك التقارير الاقتصادية الدولية – إذا سلمنا بنظافتها - لم تنعكس على الأحوال المعيشية للمواطنين التونسيين، وإلا لوجد محمد بو عزيزي عملاً يكفل له عيشاً كريماً. الركون إلى تصنيفات وتقارير مؤسسات دولية فيه خطورة إذ قد يدفن المشكلات الحقيقية تحت السطح مبرزاً صورة نضرة لبشرة الاقتصاد المريض، صندوق النقد الدولي لا علاقة له بحاجات الشعوب والتاريخ يشهد. بل كان الخضوع لاستشاراته ونصائحه سبباً في تقويض حكومات وخراب اقتصادات. وحاجات الشعوب هي الأساس، فالشاب الذي أشعل شرارة الثورة بجسده لم يكن له طموح سياسي ولم يُذكر انتماؤه لحزب. والله تعالى أعلم سيتاح للرئيس السابق زين العابدين بن علي زمن ليكتب عن تجربته في حكم تونس للإجابة على سؤال يشغل تفكيره... لماذا سقطنا؟ ولماذا هربنا؟ ولن يستغرب لو احتوت هذه التجربة فصلاً رئيساً بعنوان «حتى أنت يا ساركوزي»! العالم العربي يختلف عن الغربي إذ يفتقد قراءة مثل هذه التجارب مكتوبة بأيدي أصحابها، وجه آخر من الاختلاف بين العالمين الأول والثالث، في المفكرين والصحافيين والمثقفين، تتلخص في الانطباعات والآراء. هذه الأيام على الإنترنت مقالات تلوم الدكتور سلمان العودة وتذكّر بامتداحه الأوضاع في تونس، في مقابل كتاب لصحافيين فرنسيين غاص في الواقع الخفي لسوء استغلال السلطة والنفوذ. والخلاصة أن الجشع مسؤول عن معظم مصائب العرب. www.asuwayed.com