قبل أيام عُثر على جثة الصحافي الإيطالي فيتوريو أريغوني، في منزل مهجور، شمال مدينة غزة، بعد ساعات من خطفه على يدي جماعة دينية متشددة. أريغوني تضامن مع أهالي غزّة منذ العام 2008، وقرر نصرتهم والإقامة بينهم. كان يقف الى جانب الصيادين والمزارعين الفلسطينيين لحمايتهم، ويرافق سيارات الإسعاف لإنقاذ الجرحى والمصابين، ويكتب عن معاناة الشعب الفلسطيني في وسائل الإعلام الغربية. لكنه، وعلى رغم كل هذه الشجاعة والإيثار، قُتل بطريقة تقطع حبال المعروف بين البشر. «حماس» نظّمت اعتصاماً، ونددت بالجريمة. فتح ملف الجماعات السلفية. تحولت جثة اريغوني الى ملصق سياسي، لكن أحداً لم يسأل عن اسباب استنبات القتل الكافر في غزة، ولا عن التحريض على صراع التيارات الإسلامية. من أين جاء أفراد هذه الجماعات المتطرفة؟ مَنْ درّبهم على القتال بشعارات دينية؟ مَن صنع التشدد في غزة؟ هذه الجريمة الهمجية الكريهة، نتيجة حتمية للصراع بين «حماس» والجماعات السلفية الجهادية التي نشأ معظم عناصرها في حضن الحركة الإسلامية في غزة. بل أن نسبة كبيرة منهم أعضاء سابقون في «حماس»، انفصلوا عنها لأسباب سياسية وحزبية، وتأزمت العلاقة حين رفعت الحركة شعار «خرق التوافق الوطني»، فاتسعت ظاهرة الجماعات الدينية، وكادت غزة أن تصل الى النموذج الأفغاني. تعاملت «حماس» مع جريمة قتل أريغوني باعتبارها تهديداً لسلطتها في غزة، وبدلاً من نزع فتيل الفكر الذي حرّض على الجريمة، بدأت الحركة الإسلامية في غزة تكرار مواجهاتها العنيفة مع تلك الجماعات، لتحسين صورتها، وإرضاء الإيطاليين والمجتمع الدولي. لكن هذا النهج لن يرضي أحداً، وسيزيد تنامي التطرف الديني، ويحرّض تلك الجماعات المتطرفة على مزيد من التشدد والتناسل. لا شك في ان «حماس» مسؤولة عن الأسباب والظروف السياسية والفكرية التي أوصلت الى هذه الجريمة الهمجية. هي رفعت شعارات فكرية اتسمت بضيق الأفق، وصنعت جيلاً من الشباب أحلّ قتل ذاك الرجل العادل. الأكيد أن الطريقة التي عالجت بها «حماس» الجريمة، ستفضي الى مواجهات دموية، ومزيد من قتل الأبرياء. هي أوجدت المناخ السياسي الذي قاد غزة الى هذا الوضع المؤسف. «حماس» مطالبة بمعاودة النظر في نهجها، قبل أن تتحول غزة الى كابول.