يتناول هذا الكتاب الموسوعي ( 858 صفحة من القطع الكبير) موضوعاً في غاية الأهمية يتعلق بالنظام العالمي الجديد والقوى المرشحة لقيادته. في المدخل، «بنية القوى في النظام العالمي الجديد»، يرى الكاتب ان هناك تشكلاً لنظام عالمي جديد منذ ان وضعت الحرب الباردة اوزارها وسقط جدار برلين في 1989» (ص 30). ويقول الدكتور السويدي ان «الأطروحة المركزية في هذا الكتاب ...تكمن في ان الولاياتالمتحدة الأميركية هي القطب المهيمن على النظام العالمي الجديد، وإن العالم لا يزال يعيش آفاق العصر الأميركي الذي سيستمر، في رأيي، الى مدى بعيد (نحو خمسة عقود على الأقل)» (ص 44). ويستعرض الكاتب وجهات النظر المخالفة، وهي كثيرة، والتي تستشرف افول العصر الأميركي؛ ولكن كاتبنا ينبري لهذه الآراء ويتصدى لها ليس بحكم اطلاعه الواسع فحسب، ولكن من موقعه كمدير عام لأهم مركز دراسات استراتيجية في المنقطة لعقدين من الزمن. ولكن ما هي سمات النظام العالمي الجديد؟ ولماذا يرى الكاتب ان الولاياتالمتحدة ستبقى الدولة المهيمنة على هذا النظام؟ يحدد الكاتب سمات عدة للنظام العالمي الجديد. فالفرق بين ما يسميه السويدي النظام الدولي والنظام العالمي الجديد هو ان الفاعل الأساس في الأول هي الدولة والممثلون الرسميون لها في تفاعل مع المؤسسات الدولية. اما الفاعل الرئيس في النظام العالمي الجديد فيتمثل في «المجتمع المدني المحلي والعالمي والفرد والإرادة الشعبية والرأي العام المحلي والعالمي، وهذه كلها بات لها دور مؤثر، وتتفاعل بتوجه أكبر داخل النظام العالمي الجديد». (ص 107). وكنتيجة لهذه السمة فإن العلاقات الدولية تختلف بشكل كبير في النظامين: فالديبلوماسية الرسمية تحدد طبيعة العلاقات الدولية في النظام الدولي بينما تلعب العلاقات غير الرسمية (الديبلوماسية الشعبية) والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني المحلي والدولي (جمعيات حقوق الإنسان) والشركات العابرة للحدود وكذلك الحركات العابرة للحدود الدولية مثل التنظيمات الإرهابية دوراً«في صياغة وضع الدولة داخل المنظومة العالمية» (ص 109). اما بخصوص تزعّم القطب الأوحد، الولاياتالمتحدة، فمرجعه بنية النظام العالم الجديد وموقع الولاياتالمتحدة في هذا النظام. ويرى كاتبنا ان توزيع مصادر القوة في النظام العالمي الجديد والتي سعت الولاياتالمتحدة حثيثاً لاستيلاده من رحم النظام الثنائي القطب بعد انهيار جدار برلين وحرب تحرير الكويت هو السبب الرئيس في الهيمنة الأميركية على النظام الجديد. وتتمثل مصادر القوة للولايات المتحدة في سطوتها السياسية على المنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة ومنظماتها المتعددة وإقناع الدول الأخرى بأحقيتها في طرح حلول للمشاكل الدولية وفي القدرات العسكرية للولايات المتحدة والمتمثلة في انتشار قواتها وقواعدها العسكرية الثابتة والمتحركة عبر العالم. كما تتمتع الولاياتالمتحدة باقتصاد ضخم يمثل ما يربو على ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي (ص. 354) ما يؤهلها للسيطرة على المؤسسات الاقتصادية والمالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكثير من الشركات العابرة للحدود. اضافة الى الأطر الثقافية والأيديولوجية مثل النيوليبرالية كمبرر لاقتصاد السوق المنفتح والعولمة ونمط وأسلوب الحياة الأميركية في ما يتعلق بالمأكل والملبس والنظم السياسية الديموقراطية. وقد يتساءل عضهم عن صحة وجهة النظر القائلة إن العلاقات غير الرسمية هي السمة الرئيس للنظام العالمي الجديد ولكن السيطرة تتركز في قوة واحدة مركزية هي الولاياتالمتحدة. يختلف الكاتب مع نظرية صراع الحضارات والتي روّج لها صمويل هانتغتون بعد انتهاء الحرب الباردة (تنسب في الكتاب سهواً الى المستشرق الفرنسي ماكسيم رودنسون ص. 155، ولكن المستشرق برنارد لويس هو من آتى بمصطلح صراع الحضارات). ويرى ان الصدام ليس بين الحضارات ولكن «بين مراكز وقوى اقتصادية كبرى» (ص. 190). ويتفق الكاتب مع هنتغتون في ان المتغير الثقافي او العامل الحضاري يتفاعل جدلياً مع عوامل القوة. وعلى هذا الأساس يركز السويدي على القيم الأميركية في نقاشه حول القوة الصلبة والقوة الناعمة والجدلية بينهما المتمثلة في القوة الذكية (ص 494-497)، وبخاصة انتشار وسائل الاتصالات الاجتماعية وقد افرد لها السويدي كتاباً العام المنصرم بعنوان «وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة الى الفيسبوك». ورغم ان الكاتب يقر بالوتيرة المتسارعة للنمو الاقتصادي الصيني والذي يحتل المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة، إلا ان الكاتب يشير، مدعوماً بالمعطيات الى «صعوبة شديدة في تخيل حدوث تقارب في عناصر القوة» بين الولاياتالمتحدةوالصين. ويرى في استشرافه للمستقبل ان النظام العالمي الجديد سيتسم «بالقطبية الأحادية، تحقق فيه الولاياتالمتحدة السبق، نظراً الى عوامل متعددة في مصلحتها، اقتصادية وسياسية وجغرافية، منها مجالات الطاقة والابتكار والمجال العسكري. وسيكون من الصعوبة بمكان على الدول المنافسة، وعلى رأسها الصين، أن تلحق بالولاياتالمتحدة لتصبح قطباً ثانياً في النظام العالمي الجديد»