«طريقك إلى الحق ونور الهداية»، «قناة الحق للدين الحق»، «التنوير من باب التيسير» شعارات فضائية لقنوات مصنفة تحت بند «القنوات الدينية» لم تعد تدق باب ملايين المشاهدين فقط من خلال شاشة التلفزيون، بل باتت تطالعهم عبر إعلانات ضخمة مثبتة أعلى الجسور وأسفل أعمدة الإضاءة، بل تتسابق عليها الجرائد والمجلات لأنها منجم ذهب لا يمكن تجاهله. ما يزيد على 150 قناة يقدم كل منها نفسه على أنه طريق الحق والنور والهداية، منها ما هو السني والشيعي والمسيحي. ومنها كذلك ما يلعب على أوتار المذهبية، أو الطائفية، أو من يقدم نفسه باعتباره مجرد صوت ديني منزه عن أغراض السياسة والطائفية. وبغض النظر عن محتوى ما تقدمه، أو الاتجاهات الدينية التي تعكسها، أو حتى الوجوه السياسية الأخرى التي تخدمها، فإن ظاهرة تفاقم أعداد واتجاهات تلك القنوات تستحق الدراسة والتحليل، لا سيما في ظل تنامي الجدل حول هذه القناة أو تلك. فمثلاً، قامت الدنيا ولم تقعد بعد في أعقاب ظهور إعلانات ضخمة في أكثر الأماكن مشاهدة في ميادين القاهرة الكبرى وشوارعها لقناة دينية كان أوقف بثها غير مرة من قبل إدارة «نايل سات» المصرية الرسمية. وإذا كان هذا الوقف سببه ما يقال ضمن برامج هذه القناة عن المسيحيين والمسيحية، ما اعتبرته الجهات المصرية زرعاً لبذور الفتنة الطائفية، أو بالأحرى رياً لأشجارها، فإن عودة ظهور القناة مجدداً وبحملة إعلانية دعائية بالغة القوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام. جانب من تلك العلامات تم وضعه أمام عودة القناة للبث على القمر نفسه، والجانب الآخر يتساءل حول أخلاقية ادعاء القناة أن شاشتها وبرامجها تأخذ المشاهد إلى الجنة! جدل آخر، ولكنه أكثر عمقاً وأخطر من حيث المعنى هو ذلك الذي ثار حول قناة «أزهري». فالاسم يفترض ضمناً أن القناة تابعة بشكل أو بآخر لمؤسسة الأزهر الشريف، المرجعية الدينية الرسمية. وهي كذلك مرتبطة باسم الشيخ خالد الجندي الذي لمع نجمه وذاع صيته من خلال برنامج «البيت بيتك» ثم خليفته «مصر النهارده» – وهو ال «توك شو» التابع لتلفزيون الدولة في مصر. وكان الجميع يتوقع لتلك القناة أن تقدم الصورة الوسطية للإسلام وهي الصورة المرتبطة ذهنياً وشعورياً بالأزهر الشريف، بل أن كثراً تنفسوا الصعداء بعد ما طال انتظار ظهور مثل هذه القناة لتصحيح المفاهيم المغلوطة وملء الفراغ الوسطي الديني. غير أن تصريحات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بأنها «مجرد تجارة في تجارة»، وأنها لا تمثل الأزهر، واستخدمت اسم الأزهر في غفلة منه أطاحت بالأمل في بزوغ صوت وصورة وسطيين دينيين بعد طول انتظار. ولا تقتصر حالة الحراك العشوائي في الأثير الديني على القنوات الإسلامية، ولكنها تشتمل كذلك على القنوات المسيحية المتعددة. ولأن التركيز الإعلامي والاجتماعي منصب في شكل لافت على القنوات الدينية الإسلامية، فإنه قلما يلتفت أحد إلى ظاهرة القنوات المسيحية.