بدت مدينة صُحار العمانية هادئة بعد أسابيع من التوتر الأمني على خلفية اعتصامات سلمية تحولت احتجاجاتٍ واسعةً شهدت مواجهاتٍ صاحَبَها عنفٌ أسفر عن سقوط قتيلين وعشرات الجرحى، وترافقت مع اعتقال محتجّين لم يبق منهم سوى ثمانية أشخاص، بعد إعلان الادعاء عن إطلاق 18 شخصاً من 26 اعتقلهم بعد مصادمات الجمعة قبل الماضية. وفيما كانت عُمان تضع يدها على قلبها بعد دعوات إلى جمعة الغضب، استعد الجيش لتلافي الأسوأ، في ضوء توقيف ما سمي ب «عصابة» كانت تتسلح بالأسلحة الخفيفة والزجاجات الحارقة استعداداً للمواجهة الأعنف. لكن الحكومة استدركت الوضع، وسيَّرَتْ 10 باصات إلى مدينة صحار، ووقف الى جوارها عدد من كبار ضباط الجيش العماني رافعين شعار: من أراد العمل ليركب الباصات، وخلال ساعات كان أكثر من ألف شاب يكملون إجراءات تسجيلهم في القطاع العسكري من دون شروط، وبدأت ميادين التدريب في استيعاب أعداد كبيرة خلال أيام، كما سارت طائرات سلاح الجو بأعداد أخرى من الشباب إلى معسكرات التدريب في المناطق البعيدة في قواعدها المتمركزة في جزيرة مصيرة وثمريت في محافظة ظفار وغيرها من المواقع. وأمر السلطان قابوس بتوظيف 50 ألف عُماني في مؤسسات القطاع الحكومي والخاص، وامتلأت الصحف العمانية بإعلانات التوظيف، مع أمر حكومي باستبعاد شرط الخبرة عن الخريجين الجدد، وانضم أكثر من خمسة آلاف إلى سلك التدريس، فيما أعلنت الشرطة أنها تعمل على توظيف خمسة آلاف شخص، وأعرب الجيش بقطاعاته المختلفة عن قبول أكثر من عشرين ألف شاب. وحلّت جمعة هادئة على صحار أدّت إلى بدء الجيش العماني سحْبَ عدد من وحداته ودباباته بعيداً عن المدينة، مع إلغاء بعض نقاط التفتيش، لتعاود الحياة طبيعتها في ولاية صحار وغيرها. واختفى الحديث عن الاعتصامات، فيما لا تزال المنتديات تتناقل خبر اختطاف اثنين من الناشطين في ساحة الشعب، هما الكاتب سعيد الهاشمي والإعلامية باسمة الراجحي، ورجحت مصادر أن تكون جهات أخرى غير أمنية قامت باعتقالهما وضربهما، ولا يزال الهاشمي في المستشفى حيث يعاني من إصابات كبيرة بسبب الضرب. وذكرت مصادر مطلعة ل «الحياة»، أن السلطان قابوس رفض التدخل الأمني في مواجهة الحركات الاحتجاجية في جميع مناطق السلطنة، لكن الادعاء العام برر الأمر بأنه شكاوى من أهالي صحار بعدما خرجت مسألة الاعتصامات عن حدودها السلمية وقطَعَ محتجون الشوارع وهددوا حياة المواطنين وخربوا منشآت. واعتبر مراقبون أن الحزم في معالجة الاحتجاجات جاء لإعادة الهيبة إلى الدولة، بعدما تحولت بعض المناطق إلى ما يُشبه احتلال الشباب، الذين كانوا يتولون الأمر والنهي في حركة السير والعمل بالمؤسسات الحكومية في صحار. واستعادت معظم الولايات العمانية هدوءها بعد أسابيع من الاعتصامات التي شلت حركة الحياة في عدد منها، مع تصاعد مطالب فئوية وصلت إلى سائقي حافلات المدارس، الذين أدى اعتصامهم إلى تعطيل الدراسة في عدد من الولايات. وحمل التوجه العُماني لمعالجة الأحداث أسلوباً هادئاً، ولم تكن هناك مواجهات إلا في صحار وبعض التخريب في منشآت حكومية في ولاية عبري، وكان لافتاً أن تسعى جميع المؤسسات الرسمية والخاصة إلى تلبية مطالب المعتصمين والمحتجين، ما أدى إلى رفع الرواتب والحصول على امتيازات جديدة، وأعلن وزير القوى العاملة عبدالله بن ناصر البكري، وجودَ تعديلات في قانون العمل تتيح وجود يومَيْ إجازة لموظفي القطاع الخاص، أسوة بالعاملين في القطاع الحكومي، إضافة إلى إجراءات أخرى تعزز ثقة المواطن في مؤسسات البلاد العامة والخاصة. ودان نحو مئة مواطن، بينهم كتاب ومثقفون وناشطو مجتمع مدني، ما أسموه «الاعتداء على حرية الرأي والفكر في عُمان»، على خلفية الاعتداء الذي تعرَّض له الناشطان الكاتب سعيد بن سلطان الهاشمي والإعلامية باسمة الراجحي مِن قِبَل مسلحين مجهولين.