صدمة غير مسبوقة عاشها المصريون أمس، نتيجة سقوط 235 قتيلاً و109 مصابين في مجزرة استهدفت مسجداً في مدينة بئر العبد شمال سيناء. الصدمة نتيجة أول اعتداء يستهدف مسجداً في مصر، وأسقط أكبر عدد من الضحايا في تاريخ بلد شهد على مدى عقود هجمات دامية أعنفها وأضخمها لم يسفر على أقصى تقدير عن نصف هذا العدد. والهجوم استهدف مسجد الروضة أثناء صلاة الجمعة في قرية الروضة، في مركز بئر العبد شمال سيناء. وكان مقرراً أن يلي الصلاة احتفال لمناسبة قرب حلول المولد النبوي. والمسجد متاخم للمنطقة الحدودية بين مدينتي بئر العبد والعريش، وهي هادئة نسبياً، وتبعد إلى حد كبير من دائرة استهداف الجماعات المتطرفة في شمال سيناء. العملية التي نفذها مسلحون تابعون لتنظيم «داعش» على الأرجح، استدعت ضربة سريعة من قوات الجيش الذي قصف جواً رتلاً مُسلحاً في محيط صحراء بئر العبد قتل فيه عدداً من المسلحين هم في الغالب من منفذي الهجوم، فيما تعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالثأر والرد على العملية ب «قوة غاشمة» في مواجهة «هؤلاء الشرذمة من الإرهابيين التكفيريين». واعتبر أن الهجوم «الغادر الخسيس الجبان يهدف إلى التشكيك في قدرتنا وتحطيم صلابتنا. وستقوم القوات المسلحة والشرطة بالثأر لشهدائنا واستعادة الأمن والاستقرار بمنتهى القوة في فترة قصيرة». ويتبع مسجد النهضة إلى إحدى الطرق الصوفية التي يُكفّرها تنظيم «داعش»، فيما تسكن قرية الروضة والمناطق المحيطة بها قبيلة «السواركة»، وهي كبرى قبائل المنطقة ومن أبرز القبائل التي أعلنت حرباً ضد تنظيم «داعش» في شمال سيناء. ونُفذ الهجوم على مراحل، إذ كشفت معاينة النيابة العامة أن الإرهابيين استخدموا قذائف صاروخية من طراز «آر بي جي» وبنادق آلية أطلقوا منها أعيرة نارية بكثافة شديدة استهدفت المصلين داخل المسجد، الذين قدر عددهم بحوالى 400 مصل. ووفق شهود، تربص مسلحون بالمصلين أثناء تدافعهم للخروج من المسجد فراراً من إطلاق النار، وأمعنوا في قتلهم بأسلحة آلية، ليسقط عدد كبير من الضحايا. ومع توالي أنباء الهجوم تجمع الأهالي وهرعت سيارات الإسعاف ناحية المسجد في محاولة لإنقاذ الضحايا، لكن المسلحين كانوا أغلقوا كل الطرق المؤدية إلى المسجد، واستولوا على سيارات المصلين وفروا بها. ومع الاضطراب الذي ضرب المنطقة المحيطة بالمسجد وأثناء نقل الجرحى، عاود المسلحون الهجوم، فاستهدفوا سيارات الإسعاف بالرصاص ما عطل نقل المصابين إلى المستشفيات وأسقط مزيداً من القتلى. وأكد السيسي في بيان سبق كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب المصري، أن «العمل الغادر الذي يعكس انعدام إنسانية مرتكبيه، لن يمر من دون عقاب رادع وحاسم، وأن يد العدالة ستطاول كل من شارك وساهم ودعم أو موّل أو حرض على ارتكاب هذا الاعتداء الجبان على مصلين آمنين عزّل». وأضاف أن «الألم الذي يشعر به الشعب المصري في هذه اللحظات القاسية لن يذهب سُدى. الإرهاب الأسود سيلقى هزيمته ونهايته فوق أرض مصر». وتلقى السيسي أمس اتصالاً هاتفياً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أعرب خلاله عن إدانته الشديدة للهجوم «الإرهابي الآثم». وقال الناطق باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي إن «خادم الحرمين أكد تضامن المملكة ووقوفها إلى جانب مصر وشعبها للتصدي للإرهاب ومحاولاته النَيل من أمن الشعب المصري واستقراره». وأعرب الملك سلمان عن خالص التعازي وصادق المواساة في ضحايا الحادث، متمنياً للمصابين الشفاء العاجل وأن يحفظ الله مصر وشعبها. وأضاف الناطق أن السيسي أكد عمق العلاقات التي تربط بين البلدين والشعبين المصري والسعودي، ومشدداً على أن «الإرهاب الذي بات يمثل خطراً وتهديداً للأمن القومي العربي تجب مواجهته بصورة شاملة». كما بعث ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز برقية عزاء ومواساة إلى الرئيس المصري، دان فيها «العمل الإرهابي الجبان». وعقد السيسي اجتماعاً ضم وزيري الدفاع الفريق أول صدقي صبحي والداخلية مجدي عبد الغفار ورئيس الاستخبارات العامة الوزير خالد فوزي، وجه عقبه كلمة إلى الشعب قال فيها إن «ما يحدث في سيناء انعكاس حقيقي لجهودنا في مواجهة الإرهاب. ما يتم محاولة لإيقاف جهودنا في مواجهة الإرهاب وتحطيم إرادتنا وتحركنا الهادف إلى إيقاف المخطط الإجرامي الرهيب لتدمير ما تبقى من المنطقة»، مضيفاً: «نحن صامدون وسنتصدى وسنستمر، وهذا العمل لن يزيدنا إلا إصراراً في مواجهة الشر وأهله». واستدعى الهجوم إدانات دولية أبرزها من واشنطن، حيث دان البيت الأبيض في بيان الاعتداء وطالب «الجميع بتفنيد الفكر المتطرف الذي يشكل أساس وجودهم (الإرهابيون)»، فيما وصف الرئيس دونالد ترامب الهجوم بأنه «مروع». كما ندد بالاعتداء كل من رئيس روسيا فلاديمير بوتين، وفرنسا إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وملك الأردن عبدالله بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزراء لبنان سعد الحريري، الذي اتصل بالسيسي معزياً وأكد تضامن لبنان شعباً وحكومة مع مصر في الحرب ضد الإرهاب.