في افتتاح الدورة الثانية والأربعين لمعرض الكويت الدولي للكتاب، صرّح وزير الإعلام الكويتي بالوكالة الشيخ محمد العبدالله بأنّ نحو خمسين دار نشر تشارك للمرة الأولى، في إشارة إلى فتح الباب أمام ناشرين جدد. لكنّ عدد الدور المشاركة المعلن هذا العام هو 479 داراً، ما يكشف عن تراجع واضح مقارنة بعدد الناشرين العام الماضي وكان 563، وهذا ما أشارت إليه الصحف علناً. شهد المعرض الذي يُقام تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء الكويتي سمو الشيخ جابر المبارك، ويعد من أقدم المعارض العربية، لقاء بالغ الأهمية بين الناشرين ومديري معارض الكتب في العالم العربي، استمرّ على مدى يومين. ويعدّ الثاني بعد اجتماعٍ عُقد في أيلول (سبتمبر) في مكتبة الإسكندرية. وأهمّ التوصيات تمثلت في دورية الانعقاد، إذ أعلن مدير معرض أبو ظبي للكتاب محمد الشحي عن استضافة الاجتماع المقبل. وتظهر المشكلات والتوصيات التي طرحها رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد تعقيدات المشاكل التي يواجهها «الكتاب العربي»، فالأمر أكبر من قضية منع عدد معين من الكتب. ويمكن اختزال ما طرحه الناشرون والمسؤولون في ثلاثة محاور: الأول يتعلق بالناشرين أنفسهم، ومشاكلهم مثل الطبعات المزورة، ومشاركة ناشرين لا يملكون ترخيصاً قانونيًا، وقيام بعضهم بتأجير أجنحته من الباطن، إضافة إلى الفوضى والمبالغة في التسعير، فيمكن بسهولة الحصول من المعرض نفسه على الكتاب ذاته، بسعرين مختلفين. أما المحور الثاني فيتعلق بمديري المعارض بوصفهم ممثلي الحكومات والسلطة التنفيذية، فثمة تعسف رقابي وعشوائية في حجز «كراتين» الكتب، وتأخر الفسح، ومنع كتب سبقت إجازتها، وكذلك ارتفاع تكاليف تأجير الأجنحة واستخراج التأشيرات، ما يمثل أعباء إضافية على الناشر، تدفعه إما للعزوف عن المشاركة، أو محاولة تعويض خسائره بأي ثمن. بينما ركّز المحور الثالث على شريحة الجمهور، فمنذ أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، تراجعت القوة الشرائية، في ظل الضغوط المعيشية التي أجبرت من يشترون الكتب إلى التخلي عن تلك «الكماليات»، إضافة إلى ربط الأسعار بالدولار من دون مراعاة الفروق الاقتصادية بين البلدان. كما أسهمت القرصنة عبر تزوير النسخ أو النشر الإلكتروني، في العزوف عن الشراء. صورة قاتمة تبدو الصورة التي رسمها الاجتماع قاتمة، ويتوقف تغييرها على إرادة الطرفين في تنفيذ التوصيات. وقياساً على ما يدور في معرض الكويت للكتاب، ثمة بالفعل شكاوى من الجمهور والناشرين، حول غلاء أسعار الكتب، وتغوّل الرقابة، بحيث برزت أصوات ضد ما يجري، وعبّر عدد من النواب عن استيائهم من الإجراءات الرقابية، إذ طالب النائب عمر الطبطبائي بضرورة إعادة النظر والتصحيح الفوري لما يتكرر سنوياً من حملات مصادرة الكتب والتضييق على الناشرين من وزارة الإعلام. وانتقد النائب أحمد الفضل منع تداول كتب لمؤلفين كويتيين، على رغم سماح دول خليجية بتداولها. فيما وصفت النائب صفاء الهاشم الوضع بأنه سيئ جداً، وتساءلت: هل من المعقول هذا في عصر التكنولوجيا وسهولة الحصول على ما يمكن قراءته؟ وهل مازال لدينا عقول متحجرة تحجر على الكتب؟!». وفي هذا السياق أيضاً، أقام منتدى سامي المنيس الثقافي ندوة بمشاركة مجموعة من الكتّاب حول «الوصاية الفكرية ومقص الرقيب»، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الجهة الرقابية تراعي في قراراتها شريحة أخرى كبيرة من النواب والجمهور المحافظ، وتجنب أية نعرات طائفية أو سياسية. وبسبب ذلك تتراكم سنوياً قوائم المنع، إلى درجة منع معظم الكتب الجديدة لبعض دور النشر، لتتردد على الألسنة مقولة إن المعرض «ليس فيه أي كتب جديدة»، في وقت أنّ تقديم الاعمال الجديدة يبقى هو الرهان الأساسي لأي ناشر. وثمّة وجه آخر للرقابة المجتمعية- غير الرسمية، تتمثل في التنديد بالكتب «المتبذلة»، ففي دعوى قضائية هي الأولى من نوعها، طالب أحد المحامين بمنع الروايات التي تُكتب باللغة العامية ولا ترتقي بفكر القارئ وتحتوي على كلمات خادشة للحياء وعبارات خارجة عن سياق مجتمعنا الإسلامي والعادات والتقاليد الراسخة في المجتمع الكويتي. واستند المحامي في دعواه إلى أن دستور الكويت ينص صراحة على أن العربية هي لغة البلاد الرسمية، وبالتالي فإن أي كتب يتم تداولها أو نشرها يلزم أن تتوافق مع قواعد العربية الفصحى. كما هو واضح، فإنّ الدعوى تشير إلى شقين أولهما يتعلق برواج كتب اللهجة المحكية، بحيث تمتدّ طوابير القرّاء أمام دور النشر الخاصة بها، والشقّ الآخر يتعلق بتناول موضوعات وصور مبتذلة، ومن نماذجها ما راج في وسائل التواصل الاجتماعي عن أنّ أحد الدواوين الشعرية يتضمن تعبيراً مثل «ثم ألعب بأنفي»، وهي جملة تذكرنا بما حدث في معرض القاهرة للكتاب قبل عامين مع كاتب يدعى «زاب ثروت». مع رواج هذه النوعية من الكتب، لا يلاحق البائعون طلبات الشرّاء، إلى درجة أن إحدى دور النشر جعلت جناحها مكوناً من طبقتين. وفي المقابل، يكتشف روّاد المعرض أنّ ثمّة كتّاباً كويتيين جادّين ولهم حضورهم في المشهد العربي مثل سعود السنعوسي، وبثينة العيسي، كتبهم ممنوعة من التداول. بل طاول المنع بعض كلاسيكيات الأدب مثل «زوربا اليوناني»، وكأنّ الرقابة تحمل منطقاً مزدوجاً، أو كأنها شبح مراوغ، لا يمكن فهم ألغازه في المنع والفسح. مع ذلك، تبقى الكتب الدينية وكتب الطبخ والبرمجيات وألعاب الأطفال، في صدارة المشهد وحجم المبيعات. أنشطة موازية يشهد المعرض هذا العام تراجعاً في نسبة الزوّار، وإن بدت الزحمة لافتة في ندوة للكاتب السعودي محمد علوان الحائز جائزة البوكر عن روايته «موت صغير». وخصصت بعض الأنشطة الثقافية للاحتفال بتدشين الكويت عاصمة الشباب العربي 2017، إضافة إلى بعض ندوات صحية مثل «الصحة وأسلوب الحياة السليم»، و»نحو صحة أفضل». ومثل هذه الأنشطة تثير سؤالاً حول مفهوم الثقافة نفسه، ما بين تضييقه وتوسيعه، كما أنها تكشف عن فراغ ما في برنامج المعرض، وربما عن حياديته في انتقاء موضوعات هادئة لا تثير سجالاً سياسياً أو حتى ثقافياً، في ظل خريطة إقليمية ملتهبة. وربما لهذا السبب لم يكن غريباً أن تلغي إدارة المعرض النشرة اليومية المصاحبة. ومع ذلك، أكّد مدير المعرض ذاته سعد العنزي أهمية الكتاب في ظل ظروف دقيقة، تتطلب أن نكون على مستوى التحديات الإقليمية والعالمية، وأن نواجه الإرهاب والتطرف بالثقافة والمعرفة والانفتاح والتنوير، والعمل على تفعيل دور الثقافة والمعرفة. عند التجوّل في أروقة المعرض، قد يدرك القارئ أن أخطاء السياسة تدفع ثمنها الثقافة، وأن ما يحصل في المنطقة يُلقي بظلاله القاتمة على الكتاب العربي ومؤلفه وناشره.