جميل ان توحّد المؤسسات المرئية في لبنان شاشاتها لدقائق في ذكرى «13 نيسان» لبث دعاء مشترك مع 16 رجل دين من الطوائف اللبنانية كافة. وجميل أكثر شعار «السلام بيننا أو على لبنان السلام» الذي رُفع عبر كل الشاشات أمس، في ذكرى ذاك اليوم المشؤوم من تاريخ لبنان: يوم اندلاع الحرب. شعار ينضح بأسمى أمنيات شعب لم ينعم منذ وقف إطلاق النار بيوم سلام. ومبادرة لا يمكن رشقها إلا بالورود لما تحمله من نيات طيبة... ومع هذا في الأمر علامات استفهام وأسئلة أبعد من هذه الدقائق المعدودة التي جمعت الشاشات. أسئلة لا تخصّ منظمي المبادرة - أي جمعية «فرح العطاء» وتجمع «وحدتنا خلاصنا» المشكورين على توحيد المحطات اللبنانية، ولو لدقائق قليلة في هذا الزمن الصعب -، إنما تتعلق بالقنوات نفسها التي دأبت على بث الفرقة والانشقاقات بين صفوف اللبنانيين المقسومين أصلاً، كما الشاشات، بين 8 و14 آذار، وربما أكثر من ذلك أيضاً... شاشات لم يعد سراً تحوّلها الى متاريس سياسية لهذا الفريق أو ذاك، بما يمكن ان يحمله مثل هذا الأمر من استغلال لسلطة الصورة وقدرتها على نشر كل صنوف الحقد. ومشاهدون وصلت بهم كراهية الآخر، الى درجة المجاهرة من دون خجل بأنهم محوا في بيوتهم شاشات «الآخر» من القنوات التي يلتقطها جهازهم. وهذا «الآخر» ليس عدواً خارجياً، يريد ان يفرض سلطته على وطن يحمونه على طريقتهم الخاصة، إنما هو شريك في المواطنية، حتى وإن استكثر كل فريق على الآخر هذه الصفة. ليس في الامر مبالغة. ولا هو رسم كاريكاتوري لواقع لبناني خاص. تكفي إطلالة على مقدمات نشرات الأخبار أو برامج ال «توك شو» السياسي لدحض اي شك. والمؤلم ان القنوات التي اختبرت طويلاً طرق اللعب على وتر الطائفية، «أجادت» في تحوّلها الى دروب المذهبية غير عابئة بوطن مهدد في كيانه. فما يهمّ هو الزعيم ممول القناة أو الفريق الخارجي مموّل الأخرى. أما القطيع، عفواً المشاهد، فحاضر من دون مشقة للحاق به. والشاشات جاهزة دوماً لعملية القصف العشوائي تحت بند غسيل الدماغ اليومي ضد كل مَن مِن شأنه ان يمثل تهديداً للزعيم أو للطائفة أو للمذهب. بعد هذا كله، هل يمكن اعتبار ما حدث في الأمس من «لحمة» بين الشاشات أكثر من فولكلور على الطريقة اللبنانية لا يمكنه ان يعيش أكثر من الدقائق القليلة التي تمتع بها بفضل «كرم» الشاشات وأريحيتها الموقتة طبعاً؟