يستدعي الحديث عن «الصالون» زمن الصالونات بكل ما فيه من فخامة وملامح معينة للمكان والديكور والإكسسوارات، وأيضاً نوعيات الحضور التي تتباين بين الرئاسات في أي مجال، الى أصحاب القامات الرفيعة من الأدباء والمفكرين والكتّاب والشعراء والفنانين، وأهمية الانسجام بين القامة والقاعة، وبين القيمة التي تعبّر عن الضيف والمكان الذي يحضر إليه. هكذا فرضت الصالونات نفسها علينا منذ عقود (عصر النهضة حتى بدايات القرن الحالي)، قبل أن توشك على الانقراض الآن. مع ذلك، فإن هناك من يحاول إحياءها في الحياة وعلى الشاشة وهو ما فعلته قناة «دي إم سي» عبر برنامجها الجديد «صالون أنوشكا»، الذي جاء بعد اختفاء برنامج سابق ولد مع بداية القناة نفسها «شيري ستديو»، ومع الفارق الكبير بينهما. مقدمة «شيري استوديو» هي المغنية شيرين عبدالوهاب، وكان يضم بالطبع– كاستديو – مسرحاً ومقاعد للجمهور بجانبي المنصة التي تجلس عليها شيرين وضيوفها. أما الثاني، «صالون أنوشكا» فيعتمد ديكوره ما يشبه صالون البيت، وإنما بمساحة أكبر ملائمة لاستقبال الضيوف، وهم من نجوم ونجمات اليوم. صاحبة الصالون، النجمة المغنية والممثلة أنوشكا، تغدو هي المحاورة التي تستضيف فنانين يعرفونها وسبق أن اشتغلوا معها. وخلال حلقة سابقة، استضافت أنوشكا في صالونها كلاً من يسرا وإلهام شاهين وليلى علوي معاً، وربما للمرة الأولى في برنامج واحد لمدة ساعتين. وميزة هذا البرنامج تكمن في الاحتكاك الحواري الذي فجر لديهن الكثير من الذكريات المهمة والجميلة في إطار الحديث عن البدايات. بل إنّ كلاً منهن بادرت بطرح أسئلة مغايرة ومهمة ربما أكثر من الأسئلة التي قدمها إعداد البرنامج لأنوشكا. وكان الحديث عن البدايات ومتاعبها من أفضل مناطق حوار الصالون، إضافة الى ذكريات كل نجمة عن أعمالها مع الأخرى. وتبقى أجمل المواقف مع صاحبة الصالون هي لحظة تبادل الغناء لمقاطع من أغنياته انوشكا وأغنيات لنجوم آخرين من مصر والعالم العربي. غنّت كل نجمة بمفردها أو جماعياً بحب وحماسة شديدين وكأنها رغبة مكبوتة لدى أولئك الممثلات الشهيرات. والحقيقة أن جزءاً كبيراً من جمال الحلقة جاء من أداء ضيفاتها، والذي لا يستطيع المشاهد أن يقطع فيه بأن هذا الانتقال بين الحوار والحواديت وعصف الذاكرة والغناء جاء عفوياً، أو من واقع الخبرات الاحترافية الطويلة لهن، خصوصاً مع أجواء الألفة والصداقة والود بينهن وبين صاحبة الصالون. وهو ما يدفعنا الى التساؤل عن الحلقات المقبلة للبرنامج، وهل في إمكانها جمع ضيوف بهذا التكافؤ المهني والإنساني؟ وهل من الضروري أن يكون ضيوف الصالون فنانين، سواء في التمثيل أو الغناء أم أن الصالون يتسع للشعراء والروائيين وبينها صالون الإعلامي الكبير الراحل فاروق شوشة على شاشة القناة المصرية الأولى قبل عقدين من الزمان؟ ولماذا لا يتسع الصالون أيضاً لرجال ونساء العلم والفلك والعلوم الاجتماعية والطب... إن الإعداد هنا سيكون البطل، لكنّ أنوشكا ستكون عنصر جذب لحوارات مختلفة وهذا هو المطلوب بالنسبة الى جمهور كبير متعطش لرؤية ضيوف كثر في الصالون يتحدثون عن الحياة الواسعة بكل ما فيها ويقدمون خبراتهم في إطار فني راق. حينئذ فقط سيصبح الفن هو تقديم كل فنون الحياة في إطار أنيق يؤكد الجماليات من الألف الى الياء.