انتقلت المواجهة السياسية بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وحلفائه من جهة، وبين «حزب الله» وإيران وحلفائهما في لبنان من جهة ثانية، الى مستوى جديد، بعد الرد الإيراني على تصريحات الحريري ضد ما اعتبره التدخل الإيراني في شؤون لبنان والدول العربية، ورد «حزب الله» عليه متهماً إياه بالانسجام مع المخطط الأميركي - الإسرائيلي، فضلاً عن الهجوم غير المسبوق للخارجية الايرانية على الحريري والذي اعتبره مثيراً للتفرقة. وإذ ركّز خصوم الحريري انتقاداتهم لموقفه على انه عدّل من خطابه تجاه إيران والحزب نتيجة خروجه من السلطة، وأنه أقحم نفسه ولبنان في المواجهة الدائرة على الصعيد الإقليمي بهجومه على إيران، قياساً الى تصريحات سابقة أدلى بها عن أن إيران دولة صديقة، فإن بعض من انتقدوا مواقف زعيم «تيار المستقبل» ومنهم رئيس «جبهة النضال النيابية» وليد جنبلاط، عبروا عن خشيتهم من تنامي الحساسيات المذهبية في لبنان نتيجة تصاعد الحملات الإعلامية بينه وبين «حزب الله»، من دون أن يغفل المحيطون بجنبلاط التذكير بأن الفريقين يتحملان المسؤولية في ذلك، خصوصاً أن جنبلاط سبق له أن أشار الى أن بعض الخطابات التي لا تأخذ مصالح اللبنانيين في دول الخليج في الاعتبار. 3 أسباب إلا أن مصدراً مطلعاً على خلفيات موقف الحريري الأخير تجاه إيران، رد أسباب هذا الموقف واتهام إيران بالتدخل في شؤون دول عربية، لا سيما الدول الخليجية ولبنان، على رغم أن ذلك يجعل لبنان واحداً من ميادين الصراع الإقليمي الدائر ويزيد من تعقيدات أوضاعه الداخلية، الى عدد من المعطيات والحجج أهمها: 1 - أنه كان يمكن للحريري، في الصراع الدائر بين إيران وعدد من الدول العربية ودول الخليج، ألا يدلي بدلوه في هذا الشأن على رغم الصداقة المعروفة والمميزة بينه وبين المملكة العربية السعودية وسائر الدول الخليجية، وبالتالي كان يمكنه أن يترك للقادة السعوديين والخليجيين اتخاذ المواقف التي يرونها مناسبة حيال إيران واتهامها بالتدخل في شؤونهم، وأنه أحجم عن إقحام نفسه في كل ذلك الى أن جاء خطاب الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله في 19 آذار (مارس) الماضي الذي هاجم فيه قيادة مملكة البحرين وانتقد تدخل قوات «درع الجزيرة» في المنامة، فتسبب ذلك بردة فعل بحرينية عنيفة اتهمت الحزب بتدريب عناصر من المعارضة. ورأى المصدر أنه «في وقت كان يمكن للسجال أن يبقى بحرينياً - إيرانياً بعد أن حذرت إيران دول الخليج إزاء إرسالها قوات الى المنامة، أو أن يبقى سعودياً - إيرانياً بعدما تصاعدت الحملات بين طهران والرياض وبين الأولى ودول خليجية أخرى، لكن دخول السيد نصرالله على الخط هو الذي اقحم لبنان في هذا الصراع، وبالتالي كان لا بد من أن يصدر صوت لبناني آخر يرفض ذلك ويعترض على انسجام فريق لبناني مع السياسة الإيرانية تجاه دول الخليج. والحريري، كزعيم أساسي في البلد وكرئيس حكومة تصريف أعمال وجد من الضروري إسماع دول الخليج الصديقة للبنان صوتاً ينفي صحة الاعتقاد الذي ترسخ في نظر بعض قادة هذه الدول بأن «حزب الله» بتحالفه مع إيران هو الذي يدير السياسة اللبنانية بما فيها السياسة الخارجية والتوجهات الإقليمية، هذا على رغم أن الحريري آل على نفسه عدم التدخل في الثورات والتطورات الحاصلة منذ 3 أشهر في عدد من الدول العربية وبالتالي عدم الإدلاء بأي موقف لأنها شأن داخلي في كل دولة». 2 - ان في دول الخليج مئات الآلاف من اللبنانيين العاملين فيها (عددهم يقارب ال400 ألف) «يدرّون على عائلاتهم في لبنان الكثير من الأموال إضافة الى أن بينهم الكثير من الموظفين المتوسطي الحال الذين يعتاشون في هذه الدول، والموقف الذي أدلى به نصرالله يهدد بإجراءات ضد هؤلاء، تؤدي الى ترحيلهم التدريجي الى لبنان، مع ما يعنيه ذلك من كارثة معيشية واجتماعية عليهم وعلى الاقتصاد اللبناني». وتابع المصدر: «بدأت ملامح ذلك في البحرين وتلقى الحريري معلومات عن مباشرة الإجراءات لوقف إقامة بعض المواطنين، وهي لم تطاول من ينتمون الى طائفة أو مذهب معين بل تشمل اللبنانيين عموماً». وأوضح المصدر أن «الحريري باشر التحضير لإجراء اتصالات مع قادة البحرين وقادة دول خليجية من أجل مطالبتها بعدم اتخاذ إجراءات ضد اللبنانيين بحيث تأخذهم بجريرة موقف «حزب الله» المنسجم مع التدخل الإيراني في شؤونها، إلا أنه كي يفعل ذلك كان لا بد له من أن يؤكد لهذه الدول وحكوماتها أن موقف نصرالله لا يعبر عن موقف الدولة اللبنانية وأن الأخيرة ضد التدخل الإيراني في شؤونها سواء عبر «حزب الله» أم عبر وسائل أخرى». المصطافون والاستثمار 3 - ان الحريري «وجد أن موقف نصرالله المتطابق مع الموقف الإيراني سيجعل الرد الخليجي على إيران يشمل لبنان أيضاً عبر قرارات بالطلب الى السياح الخليجيين عدم السفر إليه، في وقت يقوم القطاع السياحي اللبناني في نسبة عالية منه على إقامة الخليجيين في ربوعه، وفي وقت يهدد عدم مجيء هؤلاء خلال فصل الصيف الى لبنان بزيادة الصعوبات الاقتصادية اللبنانية، لا سيما أن البحرين أوقفت رحلات شركة الطيران البحرينية الى مطار رفيق الحريري الدولي وطلبت من مواطنيها عدم السفر الى لبنان، بعد أن سبق للرياض أن نصحت رعاياها بعدم السفر إليه، وهذا يحرم البلد من مداخيل المصطافين والسياح العرب والخليجيين، بحيث تمس إجراءات من هذا النوع اللبنانيين جميعاً وليس «حزب الله» وحده. وبالتالي كان لا بد للحريري من أن يأخذ موقفاً من التدخل الإيراني عبر الحزب، يؤكد فيه أن سياسة الحزب ليست سياسة لبنان الرسمي، تمهيداً لمطالبة الدول التي كانت نصحت مواطنيها بعدم السفر الى لبنان، بالتراجع عن هذا القرار». (وينوي القيام بجولة عربية لهذا الغرض). وأوضح المصدر أن الحريري «تعمّد قول ما قاله عن رفض التدخل الإيراني عربياً وفي لبنان أمام الملتقى الاقتصادي السعودي - اللبناني لتوجيه رسالة الى المستثمرين السعوديين والخليجيين بأن الانطباع عن أن «حزب الله» الذي دخل في خصومة مفتوحة مع دولهم انسجاماً مع السياسة الإيرانية، يجب ألا يؤثر في استثمارهم في لبنان لأن موقفه الرسمي يرفض مخاصمة دولهم وقادتهم والتدخل في شؤونها». هل يتحمل ميقاتي التبعات؟ لكن السؤال يبقى حول ما إذا كانت مبررات موقف الحريري هذه لإعلانه موقفه حيال إيران و «حزب الله»، كما عرضها المصدر المطلع على توجهاته، ستقود الى إقفال السجال في هذا الشأن أم أن لبنان دخل من الباب العريض في الصراع الإقليمي الدائر بحيث أن إيران سترد على الموقف من سياستها الإقليمية ليس فقط بسبب الموقف السلبي من توجهاتها على لسان الحريري وحلفائه، بل لأنها تعتبر لبنان أحد ميادين الرد على الصراع بينها وبين المملكة العربية السعودية ودول الخليج، نظراً الى الأوراق القوية التي تملكها فيه إن عبر «حزب الله» أم عبر تحالفها مع سورية النافذة بدورها في قراره السياسي. ومقابل اعتقاد أوساط مراقبة بأن السجال بين إيران و «حزب الله» من جهة، وبين الحريري وحلفائه من جهة ثانية، عزز إدخال البلد في سياق الصراع الإقليمي المتصاعد، ما سيزيد من التعقيدات فيه، فإن المصدر المطلع على موقف الحريري سأل بدوره: «إذا صح ذلك، فإن لبنان مقبل على تشكيل حكومة جديدة سترى النور عاجلاً أم آجلاً، فهل يستطيع رئيس الحكومة العتيدة نجيب ميقاتي تحمل تبعات حكومة النفوذ فيها للسياسة التي يتبعها «حزب الله» حيال الدول العربية الأخرى، ولإيران تأثير في سياستها الخارجية، في شكل يعزز الاعتقاد بأن الحزب وطهران هما الجهة الغالبة في تحديد توجهاتها؟».