تنظم بلدية «دولار دي أورمو» غرب مونتريال معرضاً فنياً تحت عنوان «شبكات وتشابك» Lattices and Interstices يستمر حتى 19 الجاري، ويشارك فيه حوالى 75 رساماً من داخل كندا وخارجها، بينهم ندى حيدر كيرياكوس الغنية بتجربتها اللبنانية والأفريقية (ساحل العاج) والكندية وتنوع ألوانها الفنية وأبعادها الحضارية والثقافية والإنسانية. ترعرعت كيرياكوس في كنف والدها الراحل الفنان حيدر حموي، أحد المشاهير من رسامي الرعيل الأول في لبنان، وكان له «فضل كبير في تشجيعي وتعزيز ميولي وموهبتي المبكرة للرسم»، كما تقول ل «الحياة». بدأت مسيرتها الفنية بدراسة الفنون الجميلة في كلية بيروت الجامعية وتخرجت فيها عام 1982. وحازت في كندا شهادة الماجستير في الرسم وعلمت في مدارس وجامعات كندية، وساهمت في إقامة معارض فنية عدة وانتسبت إلى نقابة الفنانين التشكيليين الكندية، ما عزز خبراتها وعلاقاتها المهنية. تنتمي كيرياكوس إلى فئة الرسامين الطبيعيين، وتعتمد اللونين الزيتي والمائي وتنتهج تقنية خاصة «باتيك» في رسم المناظر الطبيعية والأبنية ولصقها في شكل نافر على نوع من القماش الشفاف. وعلى رغم مهارتها في لعبة الألوان وتوازنها وحرصها على انسيابها التدريجي من القوي إلى الخفيف، يحتل اللون الأزرق في لوحاتها مكانة خاصة، في إشارة رمزية إلى انتمائها إلى فنون البحر الأبيض المتوسط التي تعكس قصة عشقها لزرقة مياهه وبياض أمواجه ومده وجزره. هذا الانتماء المتوسطي تعمق في وجدانها الفني وأثرى ذاكرتها وطوّع ريشتها وحلق في فضاءات رحبة من الخلق والإبداع. ترتقي كيرياكوس في رسومها إلى «عوالم تتعدى حكايتي في الغربة إلى حكايات الآخرين ممن يعبرون إلى الأفضل ويحلمون بأوطان مستقرة ويشدهم الحنين إلى ماض جميل ومستقبل أفضل»، وتعبر عن هذه المشاعر بلوحتي «شمس المتوسط» التي تتأهب للانتقال عبر «الأمواج البيضاء» إلى عوالم أخرى. ويرى الناقد الكندي دانيال سرجو، أن هاتين اللوحتين تؤشران إلى أن كيرياكوس هي سفيرة لبلادها في المحافل الفنية الدولية وإلى شدة انتمائها المتوسطي واعتزازها بهويتها اللبنانية. وتؤكد كيرياكوس أهمية المكان في لوحاتها وتعتبره «بيتاً يحمله الفنان على ظهره أينما حل وارتحل، وأن «الغربة ترتب على الفنان المهاجر مسؤولية وطنية». في روح الألوان عند كيرياكوس اشتياق دائم إلى زرقة البحر الأبيض المتوسط ومياهه التي تشكل لها العبور الجميل إلى فضاءات رحبة جميلة عاشتها في بلدها الأم لبنان وفي ساحل العاج بأفريقيا حيث عاشت لسنوات، واليوم في مونتريال حيث تعيش. وتؤكد أن تجربتها تحاكي تجرية كل مهاجر عندما يصير ماضيه خيالات وتسمُك الغشاوة على كل تلك الصور الماضية في خزائن الذاكرة، فيحاول أن يوقظها عبر رسمها على اللوحة في حركات تعبيرية سوريالية رمزية فيها بعض من الفرح والكثير من الأسى، بعض من الحنين والكثير من الغربة.