شهدت مدينة مونتريال، حدثاً فنياً هو الأول من نوعه من حيث فرادته وموقعه ووفرة المشاركين فيه من الرسامين المحترفين والهواة، وترسانته الضخمة من المواد والأدوات اللازمة للرسم وما يرافقه من ألوان الرقص والغناء والموسيقى والفولكلور، ومن ندوات تثقيفية للزائرين ومحاولة لكسر الحواجز بين الفن والجمهور. ليالٍ بيضاء على لوح أسود تحت هذا العنوان بدا شارع «مون رويال» في مونتريال ورشة فنية، وساحة تبارى فيها الرسامون من مختلف الاتجاهات والمدارس، تنافسوا ودياً على تقديم لوحات تضج بالحياة والفرح والألوان. تعود ولادة هذه المبادرة إلى العام 1995 وأطلقها الرسام ميشال ديباتي مع مجموعة من الفنانين المحترفين والهواة الذين وقع اختيارهم حينذاك على شارع «مون رويال» المشهور بموقعه السياحي والتجاري وقربه من محطة المترو التي تحمل اسمه. ولاقت هذه الفكرة على طرافتها صدى واستحساناً في الأوساط الفنية والشعبية والثقافية، ما جعل القائمين بها يطوّرونها ويرفدونها بأفكار جديدة سنة بعد سنة. وخلال السنوات الخمس الماضية أنجز فنانون من مونتريال عدداً من المشاريع الفنية الكبرى على غرار تحويل محطة مترو «مون رويال» الى متحف للفنون تغطي واجهاته وجدرانه وممراته لوحات تشكيلية وكلاسيكية، والى معرض لذاكرة كندا من المنحوتات والتماثيل المصنوعة من الشمع والجص والبلاستيك، لأبرز المشاهير في التاريخ الكندي القديم والحديث. أما المجهود الفني لهذه السنة، فتميز بامتداد لوحات الرسامين على تنوع أشكالها واهتماماتها الى أكثر من كيلومتر، وتخصيص نحو 3 آلاف ليتر من المواد الزيتية والدهانات، وبلوغ غزارة الإنتاج رقماً قياسياً وصل الى نحو 1060 لوحة. واللافت أن معالم الشارع تغيرت كلياً وتحول الزفت فيه الى أرضية بيضاء يعلوها نسيج من القطع الفسيفسائية المرصعة بالرسوم والألوان والأشكال والأحجام حتى كاد الشارع يصبح برمته لوحة جدارية كبرى تنيرها المصابيح المتوهجة والأنوار المتلألئة فتحيل سواد الليل نهاراً. ومن تقاليد الورشة تخصيص «شجرة التمنيات» التي تتدلى من أغصانها أعلام ملونة يدون عليها الزوار كباراً وصغاراً، ما يجيش في خواطرهم من أمنيات يرسلونها الى الأصدقاء أو الأحباء أو إلى المشاهير في عالم الفن والموسيقى والتمثيل. كما واكبت ورشة هذا العام منوعات من موسيقى الفولك والبوب والروك وتخللتها ألعاب من الخدع البصرية ورياضتا الهوكي والغولف وعروض مسرحية وسينمائية ومباريات أدبية من وحي المناسبة تصف المشهد الفني الاحتفالي. الفن في خدمة التجارة ومن جديد هذا العام أن الاحتفالات اتخذت، كسابقة، منحى تجارياً كان مناسبة لتصالح الفن مع التجارة. فتحولت واجهات المحال الى صالات تستوقف المارة لوفرة تشكيلاتها الفنية من منحوتات ومائيات وزيتيات. ويقول أحد التجار، في إشارة الى أثر اللوحات الفنية، ان مردودها كان أفضل بكثير مما كانوا ينفقونه على الإعلانات والدعايات في الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية، في حين وجد الفنانون في تلك المبادرة، فرصة عظيمة لتسويق لوحاتهم بدل اعتمادهم على التبرعات أو المساعدات الحكومية الهزيلة.