تشهد صالة «اندريه ماثيو» للفنون في مدينة لافال المجاورة لمونتريال، معرضاً للرسم التجريدي يستمر حتى 31 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. ويتضمن لوحات للفنانين فاضل فضة (كندي من أصل سوري) الذي يوقعها باسم «داغان»، وفرنسين غي الفرنسية الكندية التي تذيلها بنثريات شعرية. ويبدو أن كلا الفنانين انتقل من طور الهواية الى الاحتراف والانتماء الى مدرسة الرسم التجريدي، للتعبير عما يختزن كل منهما من ثقافة وأحاسيس ومشاعر وهموم وتطلعات. فهما على اختلاف منابتهما الاجتماعية والثقافية والإتنية ومهنهما، يجتمعان في عرض فني مشترك تتجاور فيه لوحاتهما وتتعايش جنباً الى جنب كأنها تسترسل في حوار حيوي صامت ربما كان أبلغ من النطق. ويدور بين ثقافتين وحضارتين متمايزتين وإن باعد بينهما تعدّد الألسنة وفواصل الزمان والمكان. وعلى رغم أنهما يرسمان بريشة فنية واحدة، فان كلاً منهما يترجم لوحاته بأسلوب مغاير. فلوحات غي تتميز بنسيج من الألوان يتّشح بعضها بالسواد وبعضها الآخر بالبياض الناصع مع مساحة الأزرق الشفاف الذي يتسلل بين الظلال والنتوءات العميقة. وتتمحور بمجملها كما تقول غي، حول «ثلاثة ثيمات: إنسانية تعنى بالأطفال والمسنين، ووطنية تجسد حبي لكيبك، وبيئية تمثل نقاوة الثلج الذي يشكل جزءاً من حياتنا الثقافية». أما فضة، فتقودنا لوحاته الى عالم آخر. وأصبحت ريشته بديلاً من قلمه الذي عجز عن التعبير عن مكنوناته الداخلية، وأضحت وسيلة أمثل لبلوغ الحرية التي لا يمكن البوح بها خارج مذبح الرسم. ويرى أن لوحاته «تشكل حالة من الهروب تتأرجح بين الحنين الى الأرض والوطن والجذور وبين الالتزام بقضايا الاغتراب والإنسان والحرية». ولا يخفي فضة أن «مسحة التشاؤم» تلف معظم لوحاته، على رغم ما فيها من فسحات مضيئة تنبعث من بين ألوانها الداكنة. ويرى أن تقاطع الألوان الباردة مع الألوان الدافئة بما تحمله من رمزية تاريخية وجغرافية، يترك له هامشاً للانعتاق من أجواء القلق والاكتئاب والعبور الى رحاب الفرح والاطمئنان. لكن «الريشة تهرب مني الى أمكنة خيالية معزولة لا صلة لها بكل ما تحمله ذاكرتي من مخزون ثقافي وفكري ووطني». ومن المفارقة، أن ملكة اللاوعي لدى فضة تقوده رغماً عنه الى عوالم أخرى تنبض بالحياة والبهجة. فطبيعة «المقاطعة الجميلة» كيبيك لها مكانة فريدة في لوحاته التي تؤرخ لتعاقب الفصول بشتائها الابيض وخريفها المخملي وصيفها الساحر. وحول تقييم كل منهم لهذه التجربة الفنية، تقول غي: «إنها أول مرّة ألتقي فيها مع رسام عربي يتمتع برؤى إبداعية وبُنى فنيّة صلبة وثقافة عميقة الجذور»، مشيرة الى أن هذا اللقاء يؤكد أن «الفن لغة عالمية عابرة للحدود والقارات والثقافات». بينما فضة يؤكد أن المناسبة أكبر من عرض عابر وأوسع من لقاء ثنائي. انها إطلالة واعدة على المجتمع والسوق الكيبيكيين، لا سيما أن كثافة الحضور (حوالى خمسة آلاف زائر وفقاً لتقديرات صاحب الصالة) واختيار إحدى لوحاته من قبل مدينة لافال لتتصدر تقويم العام 2010 للفنانيين الكيبيكيين، مؤشران إيجابيان «يعززان الثقة بأعمالي ومكانتها في الحركة الفنية المعاصرة في كندا». ويرى أن التواصل مع الفنانين الكنديين هو «نوع آخر من الحوار العربي – الغربي يفتح آفاقاً جديدة للتلاقح الثقافي والفكري والتعايش الحضاري والإنساني».