اتفق مثقفون وقراء سعوديون على أن القراءة الإلكترونية اكتسحت سوق المكتبات العامة، وحولتها من حصن حصين للفرد والمجتمع إلى شاهد على العصر، لا يقوى على الحراك، و مجابهة التغيرات السريعة، فباتت طريحةً مضرجةً بدماء الانكسار والضعف، وهجران الأحبة والخلان، وأمست أرففها، وحيطانها تعيش على أوهن البيوت، مشددين على أهمية تدخل السلطة الرابعة «الإعلام» لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وأكدت الروائية والقاصة السعودية نورة شرواني ل «الحياة» أن المطلع على واقع تلك المكتبات يجدها تعيش ركوداً كبيراً في محتوياتها، وأصبحت وكراً آمناً للأتربة والغبار لأسباب عدة، أبرزها رداءة إمكاناتها المادية، «إذ بتنا نرى تلك المكتبات لا تزال تعيش على أنقاض بنيان أكل عليه الدهر وشرب، وفي أحياء أصبحت محل هجرة الناس منها، لم تنل حظها من حركة العمران التي هي من سنن الكون الطبيعية». واتفقت مع من يقول إن الرقمية أو المطالعة «الإنترنتية» طغت على المكتبات، وسلبتها الوهج الذي كانت تحمله لأعوام عدة، وقالت: «إن الكثيرين اتجهوا للقراءة الإلكترونية يطالعون فيها الصحف والكتب والمجلات والمنتديات، والمواقع الإلكترونية المتنوعة، بل إن الأجهزة التقنية الحديثة سهّلت أيضًا سرعة الوصول إلى المعلومة، حتى لو كانت في أقاصي الأرض، فمن طريق «ضغطة زر» يستطيع القارئ أن ينتقل إلى أي مكتبة في العالم، والدخول لقاعدة بيانات الكتب، والتصفح بكل سهولة، كما بات إيقاع الحياة العصرية تفرض هذا الجانب وتزيده». وأضافت: «للأسف، إن واقع المكتبات سيئ جداً وغير مشجع، وبيئتها غير جاذبة للقارئ أبداً، حتى مواقعها ومبانيها لا تتناسب مع كونها منارة للمعرفة، وباختصار شديد هي غائبة ومغيبة عن المشهد الثقافي والمعرفي، ملغيةً فكرة انهيار المكتبات أمام المد الرقمي»، وزادت: «إنها تستطيع الصمود، لأنه ما من شيء سيلغي القراءة مهما استجد، لكن السؤال كيف يمكن أن تعزز المكتبة العامة موقعها في زمن هذه الثورة الرقمية، إذ لابد أن تبحث لها عن مكان على الخريطة الرقمية». من جانبه، رفض القاص سعيد الزهراني فكرة أن «المكتبة الرقمية» وحدها هي المتسبب في ضياع المكتبات وضعف قيمتها لدى الفرد والجماعات، وتابع ل «الحياة»: «ليس الأمر هيمنةً إلكترونية، بل هناك أسباب عدة، في مقدمها فقدان هذه المكتبات لمبانٍ خاصة بها، تكون مهيّأة للعب دور المكتبة الريادية التي تواكب العصر بمستجداته الإلكترونية والتقنية الكبيرة، وتبعًا لعدم تهيئة هذه المكتبات بالصورة المطلوبة حلت الأزمة الأخرى متمثلة في ضعف وقلة مرتادي المكتبات من المثقفين والعلماء والأدباء وطلبة العلم، وجمهور المواطنين، حتى بات السكون يلف جنبات المكتبات، واستوطن الغبار الأرفف، وسكنت الهوام والحشرات بطون الكتب». ولم تكن شفقة الزهراني على الضياع المادي للمكتبات وحدها هي المؤسف، إذ أوضح أن من الأمور المحزنة أنه حتى الساعة لا تزال الفتاة السعودية محرومة من التوجه أو الذهاب إلى المكتبات من دون وجود سبب مقنع أو جاد، فضلاً عن أن بعضها لا تضم أقساماً نسائية يمكنهن التوجه إليها، ما يضعف بدوره كثيراً من قيمة المجتمع، كون المرأة تمثل نصفه وعموده الذي لا يمكن الاستغناء عنه أبداً، لافتاً إلى أهمية إشراك المرأة في كل عناصر المجتمع المهمة.