لم تستطع المكتبات العامة في المملكة اللحاق بالثورة الرقمية والنشر الإلكتروني، فقبعت مكانك سر، وأصبحت صروحا وأعمدة متهالكة لا يرتادها إلا من يعشق الكتاب وتعود عليه، والمطلع على واقع تلك المكتبات يجدها تعيش ركودا كبيرا في محتوياتها، وأصبحت وكرا آمانا للأتربة والغبار. الدكتور عبدالعزيز الحجيلي رئيس قسم التربية الفنية في جامعة أم القرى عزا هجر المكتبات بقوله «الثورة الرقمية التي يشهدها العالم حتما أثرت سلبا على المكتبات العامة»، مستشهدا بطلاب الدراسات العليا الذين قل ارتيادهم لتلك المكتبات العامة، بعد أن كانوا في الماضي يرتادون تلك المكتبات حتى خارج أوقات الدوام؛ بحثا عن المعلومة. ويتذكر الدكتور الحجيلي بداية دراسته في الماجستير في عام 1412ه بقوله «أتذكر وأنا طالب في مرحلة الماجستير تلك المعاناه التي كنا نبحث فيها عن المعلومة ونوثقها متكبدين عناء السفر إلى العديد من الدول العربية؛ بحثا عن المعلومة العلمية التي تخدمنا في تقديم بحث يمكننا الاستفادة منه». وتطرق الحجيلي إلى اختلاف استقاء المعلومات في هذا العصر التقني بقوله «والآن اصبحت مصادر المعلومة عديدة، ومنها الإعلام الجديد»، إلا أنه أدرف قائلا «من الضروري التحري وأخذ الحيطة عند الإستناد إلى معلومة معينة مأخوذة عبر الشبكة الإلكترونية، نظرا لعدم وجود مرجعية صادقة لتوثيق المعلومة على المواقع الإلكترونية المختلفة». ويؤكد مدير إدارة التعليم الأجنبي في تعليم جدة خالد العرابي الحارثي أن المكتبات، وبعد أن انظمت إلى وزارة الثقافة والإعلام، هي مطالبة بالكثير من الأمور، ومن أهمها: إعادة النظر في بعض أماكن تلك المكتبات وجعلها في أماكن أكثر تميزا حتى تجتذب الكثير من الرواد والزائرين، تفعيل النشاطات الثقافية فيها للجنسين، نقل بعض المظاهر الثقافية إليها مع تجهيزها بالمستلزمات الضرورية لنجاح هذه النشاطات، كذلك إمداد تلك المكتبات بوسائل التقنية الحديثة، وتوظيف ذوي الاهتمام الثقافي والمعرفي بها حتى ينهضوا بها. وتمنى الحارثي من الوزراة الاهتمام بالمكتبات العامة على غرار الاهتمام بالأندية الأدبية في كافة المناطق والمحافظات، فالمكتبات تعد ركيزة هامة يعتمد عليها المثقف، وقال «بقدر ما تولي وزارة الثقافة الاهتمام بالأندية الأدبية نتمنى عليها الالتفات إلى المكتبات العامة نظرا لأهميتها البالغة في حياة المثقفين والباحثين عن المعلومة». فيما ناشد المشرف التربوي عبدالله القثامي المشرفين على المكتبات محاولة إدخال التقنيات الحديثة، وأرشفة جميع الكتب إلكترونيا عن طريق برنامج حاسوبي، بحيث تتحول جميع الكتب الموجودة في المكتبة إلى كتب إلكترونية يستطيع الباحث أن يستقي المعلومات ويوثقها عن طريق الشبكة العنكبوتية لضمان أخذ المعلومة من مصدرها الرئيس، مؤكدا في الوقت نفسه أن الكتاب الورقي لا يمكن الاستغناء عنه، خصوصا لمن عشق القراءة، كونها ارتباطا فكريا وثقافيا. أما الباحث إسماعيل دماس، فقال «هجر المكتبات العامة ير جع لعدة أسباب، من أهمها عدم الاهتمام بشكل المكتبة وعدم مواكبتها للتطور الهائل الحادث في المملكة، سواء في العمران أو حتى في تهيئة المكان المناسب للقراءة، مطالبا المسؤولين في هذه المكتبات بإيجاد بيئة جاذبة للقراءة تتوفر فيها كافة سبل الراحة والهدوء على غرار بعض المكتبات العالمية الهامة». فيما لم يجزم طالب الدراسات العليا في جامعة أم القرى علي الحارثي بأن المكتبات مهجورة، وقال «هناك مرتادون للمكتبات رغم قلتهم، إلا أنه من المفترض أن تواكب المكتبات آخر مستجدات التقنية ليتسنى للجميع الاستفادة مما تقدم من خدمات». فيما طالب الدكتور سعود الخديدي وزارة الثقافة والإعلام بضرورة التدخل ووضع خطط استراتيجية مستقبلية قابلة للتنفيذ لإنقاذ المكتبات العامة من الهجر، بقوله «أطالبها بالعديد من البرامج»، ومطالبا في الوقت نفسه المكتبات بإيجاد أقراص مدمجة يستطيع الرواد الاستفادة منها واقتناءها خارج محيط المكتبة العامة. ويرى التربوي ياسر المليص أن التقنية هي السبب الحقيقي في هجر تلك المكتبات، إلا أنه قال «المكتبة تبقى ذات خصوصية هامة في استقاء معلومة صحيحة ومسندة إلى سند صحيح يسمح للدارس أن يوثق كافة معلوماته عن طريق الموارد المعلوماتية، سواء أكانت حاسوبية أو ورقية».