لم يعد النشيد الوطني اليمني حبيسَ الأعياد الوطنية أو طابور الصباح المدرسي، فساحات الاعتصامات تستضيفه هذه الأيام الى جانب أغان وطنية غابت عن الأذهان أعواماً طويلة، وأخرى حماسية يرتجلها المعتصمون بصورة تعبِّر عن طموحاتهم في المرحلة الراهنة التي تمر بها اليمن. الساحات، المصنَّفة بحسب مطالبها، تتوحد في ترديد النشيد الوطني والأغاني الوطنية بين حين وآخر، غير أنها تنقسم في الأغاني الشعبية الحماسية، فتلك المصنَّفة مؤيدةً لبقاء الرئيس علي عبدالله صالح في الحكم، ينشد معتصموها فناً شعبياً ارتجالياً في الغالب يعرف بال «زامل» في أمسياتهم. فيما تتربع الأغاني الحماسية على منصات ساحات التغيير والحرية، وهي الساحات التي يعتصم فيها المناوئون لنظام الرئيس في مختلف محافظات الجمهورية، وفي وجود أبناء القبائل ضمن شباب الثورة، فإن ال «زوامل» الشعبية لا تختفي هناك أيضاً. ويجد كثير من الشباب متنفَّساً لمواهبهم وقدراتهم الفنية في ساحات الاعتصام، فالشعراء يَنْظُمون الكلمات، والشباب يلحِّنونها ويؤدّونها لجمهرة المعتصمين في أمسيات وفعاليات الساحة الفنية، ما سلَّطَ الضوء على فئة من الموهوبين قلما وَجدوا فرصاً للظهور في وسائل الإعلام، وساهم في شحذ همم المعتصمين. وفي هذه المرحلة التي تمرّ بها البلاد، لا يُستغرب أن تجد مواطناً يمنياً غيّر نغمة هاتفه لتكون نشيداً وطنياً، أو وضع على شاشته صورة الرئيس، أو علم الجمهورية اليمنية، ما ساهم في تغيُّر توجهات المحالّ التجارية التي كانت توفر هذه الخدمات لأصحاب الهواتف، خصوصاً الشباب، الذين كانوا قبل بدء الاعتصامات يهتمون بالأغاني الجديدة، وتحديداً العاطفية منها (يمنية أو خليجية أو مصرية). لكنهم اليوم يبحثون عن مقاطع من الأغاني الوطنية، أو تلك التي تسجَّل في الساحات، لتحويلها إلى نغمات، يروج تناقلها المعتصمون. كما تحوّلت شاشات هواتف الشباب والمراهقين، التي طالما احتلتها صور الممثلات والمطربات العربيات والأجنبيات، إلى واجهة محددة بثلاثة ألوان، هي الأحمر والأبيض والأسود، وهي ألوان العلم اليمني، وعبارات مثل: «اليمن أغلى»، و «اليمن في قلوبنا»... وغيرها. في البيوت لا يختلف الأمر كثيراً عن الساحات، فالناس ترحب بالأغاني والأناشيد الوطنية التي تبثها المحطات التلفزيونية والإذاعية المحلية والفضائية باستمرار، خصوصاً تلك المنقولة من ساحات الاعتصامات، وإن كانوا قد ملّوا بثها أيام الاحتفالات بالأعياد الوطنية في السنوات الماضية. اللافت، تحوُّل محلات بيع الأشرطة الدينية، فتلك منها القريبة من ساحة التغيير بجامعة صنعاء، ارتفع الطلب لديها على الأغاني الوطنية منذ ازدادت أعداد المعتصمين، فاستغلت الفرصة وصارت تبثها عبر مكبرات الصوت لتشجيع زوار ومعتصمي الساحة على شرائها، رغم اختلاف ذلك عن توجهاتها. لذا ستجد أحدهم يقود سيارته أو دراجته النارية وهو يستمع «منتشياً» لنشيد أو أغنية وطنية بصوت عالٍ، كأنما يدعو الآخرين لمشاركته بالاستماع لأغان سقطت سهواً من ذاكرة الجميع، وأُهملت، باستثناء بثها في المناسبات الوطنية، حتى جاءت مجريات التغيير التي تمر بها اليمن وبعض الدول العربية وأحيتها مجدداً.