خرجت من عيادة طبيب الأسنان وبدأت تتبادل الحديث مع السكرتيرة الجالسة في ردهة الانتظار. أخبرتها أنها ما زالت تبحث عن فرصة عمل مناسبة، وأنها زارت سبعة مختبرات طبية رغبة في عمل ضمن مجال دراستها. فهي طالبة في كلية العلوم في جامعة بغداد وتريد الحصول على وظيفة بأسرع وقت ممكن. غادرت أسيل محمود (21 سنة) العيادة بعد أن نصحتها السكرتيرة بإكمال دراستها أولاً لكنها أجابت بلهجة حاسمة: «احتاج نقوداً لإكمال الدراسة ووالدي لا يعطيني ما يكفيني ولا أستطيع الضغط عليه لذا أحتاج مساعدتك». والد الشابة المتلهفة للعمل متقاعد منذ سنوات والراتب التقاعدي الذي يتقاضاه يتم توزيعه في خانات متعددة تبدأ من مصروف البيت وأجور الكهرباء والماء وينتهي ما يتبقى منه إلى جيوب ثلاثة أبناء جامعيين هم أسيل وشقيقاها منجد وضياء. وبمقارنة قيمة الرواتب التقاعدية في العراق مع تلك تلك المصاريف لا يبدو الأمر سهلاً على الأب ولا على الأبناء لذلك يساند منجد شقيقته في البحث عن فرصة عمل ويسأل المعارف والأصدقاء عن عمل مناسب لها. ليست أسيل وحدها من تبحث عن فرصة عمل إذ إن معظم الشباب من الجنسين يبحثون اليوم عن عمل قبل إكمال المرحلة الجامعية لأسباب عدة منها العامل الاقتصادي ومحاولة تخفيف العبء عن كاهل العائلة والثاني زيادة متطلبات الشباب في شكل عام في الوقت الحالي ومحاولتهم الاعتماد على أنفسهم في تغطية نفقاتهم فضلاً عن إثبات الوجود والحصول على خبرة . ولفترة من الزمن كان الجمع بين العمل والدراسة مقتصراً على الشباب من الذكور وكانت الفتيات اللواتي يجمعن بين الإثنين معدودات في كليات الجامعة وغالباً ما يكون العمل في الدروس الخصوصية. أما اليوم فالبحث عن فرص عمل قبل التخرج بات شائعاً بين الفتيات في شكل كبير بل ويحظى بتشجيع كبير من قبل الأهل الذين يجدون في البنت استعداداً لمساعدة العائلة أثناء العمل أكثر من الشاب الذي غالباً ما يركز في الصرف على نفسه ويجعل احتياجات المنزل في المرتبة الثانية. تقول ميسون ماجد وهي طالبة في كلية الصيدلة في المرحلة الأخيرة في الجامعة المستنصرية إنها حصلت على وظيفة موقتة في صيدلية لأحد أقاربها في شارع فلسطين وهي تعمل بدوام خمس ساعات يومياً فقط كي تجد الوقت الكافي للدراسة. وتضيف «صديقاتي اللواتي قبلن في كليات أخرى لا يحتجنّ إلى ساعات دراسة طويلة مثل كليتي وهنّ يعملن نصف نهار ويتقاضين أجوراً جيدة وبعضهنّ يعملن على الإنترنت مثل صديقتي ميس التي تدرس في كلية اللغات وتعمل في إحدى الشركات الخاصة بالاستيراد والتصدير كمترجمة من المنزل. فهي تقوم بترجمة المراسلات والأمور الأخرى التي تحتاجها الشركة». فتيات أخريات يتنازلن عن الجامعة ويدخلن إلى معاهد طبية أو إعداديات التمريض للحصول على وظائف مركزية سريعة من الحكومة التي تشجع تلك الاختصاصات وتقوم بتعيينهن فور التخرج. تقول مروى فيضي (19 سنة) حول تجربتها: «قررنا أنا وشقيقتي مريم الانخراط في إعدادية التمريض لأن فرص التوظيف فيها مضمونة وبالفعل حصلت على وظيفة بمجرد تخرجي العام الماضي وبدأت أنفق على نفسي وعلى أشقائي كي أساعد والدي الذي لا يكفينا راتبه فنحن خمسة أشقاء وشقيقات وجميعنا كنا طلاباً». بعض الشباب يقومون بتوظيف شقيقاتهم معهم في المكان ذاته لتسهيل الانتقال معاً من الجامعة إلى مكان العمل ومن ثم إلى المنزل ولمزيد من الطمأنينة. ويقول أحمد وليد (23 سنة) وهو طالب في جامعة بغداد في قسم علوم الحاسبات في الجادرية إنه حصل على فرصة عمل بدوام مسائي في إحدى شركات الاتصالات قبل عامين وحينما طلبت الشركة موظفات جدداً تمكّنَ من دعم شقيقته للحصول على عمل في المكان نفسه. ويضيف «نغادر الجامعة الى موقع العمل ومن هناك الى المنزل بعد انتهاء الدوام وهذا الأمر جعل تنقلنا أسهل فضلاً عن انني مطمئن لكون شقيقتي تعمل مع اشخاص أعرفهم». الحصول على وظيفة قبل التخرج ليس بالأمر السهل لا سيما أن بعض الشركات ومواقع العمل تطلب أشخاصاً من ذوي الخبرة وترفض تعيين الشباب الجدد لذلك يرضى معظم الشباب برواتب متدنية او بأقل من نصف راتب الأشخاص من أصحاب الخبرات في وظيفتهم الأولى وبعد مرور اكثر من عام على العمل يطالبون برفع رواتبهم او يغادرون الى مكان آخر مع ما اكتسبوه من خبرة في المجال الذي عملوا فيه.