لا تستهوي الوظائف في مجالات القطاع الخاص شباب العراق مثلما تستهويهم الوظائف الحكومية التي يعتبرونها ضماناً حقيقاً لمستقبلهم. البحث عن الوظائف الحكومية والتمسك بها لا ينطلق من حب الشباب للعمل في مجال اختصاصهم، فالنسبة الأكبر منهم يعملون في مجالات لا علاقة لها بدراستهم الجامعية لكن إصرارهم على التعيين الرسمي هو بسبب تفكيرهم بضمانات التقاعد المستقبلية لوظائفهم قبل التفكير بالعمل بحد ذاته أو الرواتب والمحفزات. «لا ضمان إلا بالوظيفة الحكومية لأنها ستريحني من التفكير بالضمانات المستقبلية وستمنحني راتباً تقاعدياً في النهاية بحسب مدة الخدمة فلا أضطر للعمل في سن متأخرة من حياتي»، يقول احدهم. وتعتبر الوظيفة الرسمية مكاناً مريحاً ومضموناً اذ تصرف الرواتب بشكل منتظم شهرياً بغض النظر عن انتاجية الموظف أو إنجازه اليومي في العمل، وهي على نقيض الوظائف في القطاع الخاص التي يتم تحديد رواتبها بحسب المسؤوليات الملقاة على عاتق الموظف وساعات العمل ونتائجه وطريقته. نسرين جمال الدين تخرجت في كلية الهندسة قبل عامين وما زالت تنتظر فرصة التعيين الحكومي في إحدى الدوائر الهندسية التابعة للدولة على رغم امكانات توظيفها في شركة خاصة. وتقول نسرين: «لست وحدي من يرفض التعيين في الشركات الخاصة بل إن معظم الخريجين من زملائي فعلوا الأمر ذاته وقدموا عشرات طلبات التعيين في عدد من المؤسسات أملاً في ان تنجح إحداها في ضمهم إلى قائمة موظفي الدولة». ولا يهم نسرين كثيراً العمل في اختصاصها إذا حصلت على الوظيفة الحكومية فالمهم في الموضوع هو الحصول على راتب شهري مناسب. وتقول: «أنا مستعدة للعمل في اي مجال طالما كان التعيين في القطاع العام، فالوظائف في العمل الخاص لا تتضمن رواتب تقاعدية ولا تعتمد على الشهادة أو سنة الخدمة فهي تعتمد على المجهود والإنجاز فحسب». السعي وراء التعيين الحكومي يدفع كثيرين من الشباب للبحث عن وظائف في مرحلة الدراسة إذ يتقدم كثيرون للتعيينات بشهادات الثانوية أو المتوسطة أثناء دراستهم الجامعية وبعد إكمالهم الدراسة في الجامعة يعمدون إلى تعديل رواتبهم بحسب شهادتهم الجديدة. محمد سالم حصل على فرصة ثمينة للتعيين عندما طلبت دائرة الكهرباء القريبة من منزله موظف حسابات. تقدم الى الوظيفة وحصل عليها بمساعدة أحد اقاربه وهو كان لا يزال في السنة الجامعية الثانية. وبعدما تخرج العام الماضي رفع طلباً لتعديل راتبه بحسب شهادته الجامعية. يقول محمد: «الحصول على وظيفة حكومية هو امنية جميع الشباب ولذلك فضلُّت تحقيق أمنيتي عندما واتتني الفرصة حتى قبل إكمال الدراسة». ويرى أنه محظوظ في خطوته تلك فصديقه حصل على وظيفة عامل خدمة في إحدى الدوائر وتم تغيير عنوانه لاحقاً بعد تخرجه من معهد التقنيات المسائي. ويشكل تدني الرواتب التقاعدية في العراق عقبة حقيقية أمام العمل في القطاع الخاص ولا يدفع الشباب أبداً الى التفكير في التوظيف البديل، بل إن عائلاتهم نفسها التي غالباً ما تعاني من تدني الرواتب تنصحهم بالتعيين الحكومي الذي تصفه دائماً ب «المضمون». فالأب الذي يتقاضى راتباً تقاعدياً لا يتعدى 200 دولار شهرياً بعد 25 سنة من الخدمة في القطاع العام يطالب أولاده بالسعي للحصول على وظيفة حكومية لأنه يرى ان ذلك المبلغ الذي لا يكاد يغطي نصف حاجاته الشهرية هو أفضل من لا شيء.