لم تتوقف معاناة النساء على البحث عن وظيفة يسددن بها حاجتهن، ولا على الأعمال الشاقة في أعمالهن، بل تمتد إلى ما بعد تقاعدهن، كون الجهات التي يعملن فيها تفرض عليهن إحضار «صك إثبات حياة». ويتوقف راتب المتقاعدة لأشهر عدة، إلى أن يذهب وكيلها الشرعي إلى المحكمة الشرعية برفقة معرفين، ليدليا بشهادتهما أمام القاضي، ويؤكدا أن المتقاعدة لا تزال على قيد الحياة. و«صك إثبات الحياة» وقف عائقاً أمام طموح عدد كبير من النساء في إكمال دراستهن، والالتحاق بوظائف حكومية كالتعليم، الذي له نصيب الأسد من عمل النساء في السعودية، خوفاً من الدخول في دوامة الذهاب والإياب إلى الوزارة من أجل استمرار صرف راتبها التقاعدي، وكذلك التردد على المحاكم بغية إثبات وجودها على الحياة. ويواجه عدد من المتقاعدات خياراً صعباً في حال أن أزواجهن موظفون، إذ إن الواحدة منهن مجبرة على التنازل عن راتبها التقاعدي بعد انقضاء فترة عملها أو أن يتخلى زوجها عن راتبه التقاعدي، لكن الخيار الأخير مستحيل، كون عادات وتقاليد المجتمع تمنح الرجل الحق في الصرف على المنزل، حتى لو كان راتب والدة أبنائه يفوق ما يتقاضاه. وقالت إحدى المتقاعدات (فضلت عدم ذكر اسمها): «أفنيت سنوات في العمل فهل من المعقول أن أحرم من راتبي، لأنني متزوجة، وشرط تخلي المرأة عن راتبها التقاعدي إذا كان زوجها موظفاً يحفز على الانفصال، خصوصاً عندما يشعر الطرفان بأنهما أصبحا في الخيارات الصعبة، التي من المفترض أن تنعزل مثل هذه الأمور عن بعضها بعضاً». وأوضح خالد السبيعي، وهو أحد الموظفين الذين أشرفوا على حالات نساء متقاعدات، أن إدارته تحتاج كل عام إلى الاتصال بذوي تلك العجوزة المقعدة أو المرقدة على سريرها بعد أعوام قضتها في العمل، وخدمة البلاد، لطلب حضور ما يثبت أنها لا تزال على قيد الحياة، «ويأتي وكيلها الشرعي من منطقته البعيدة التي قد تكون بعيدة عن مقر عمل موكلته، لإحضار قريبته المتقاعدة، أو من يعولها أمام القاضي مع شاهدين أو اثنين مُعرِفين حتى يشهدا ويعرفا بأن هذه العجوزة الماثلة أمام القاضي لا تزال على قيد الحياة». وطالب عدد من الموظفات باستمرار صرف رواتبهن التقاعدية، أسوةً بالرجال، كون عدد منهن عليهن التزامات مالية، وكذلك حاجتهن إلى الراتب بعد انتهاء خدماتهن في الوظائف الحكومية، بحجة أن عدداً منهن يصرفن على أبنائهن منه.