“عمل المرأة جزء من حقوقها”.. هكذا تقول مدونة الحقوق المعاصرة للنساء.. لكن عمل المرأة يبقى خاضعا لظروف واعتبارات وقيم كل مجتمع على حدة.. وفي المجتمع السعودي صاحب القيم المحافظة المستمدة من تعاليم الشريعة الإسلامية، يفرض عمل المرأة شروطا تتناسب وطبيعتها كأم وأخت وابنة وزوجة، في مجتمع مسلم، لها فيه احتياجاتها ومتطلباتها. وعلى الرغم من ذلك.. فقد أصبح تواجد العديد من الفتيات في وظائف القطاع الخاص أمرا معتادا، في ظل تزايد عدد الخريجات وشح الوظائف الحكومية..
الهروب من الشبح “لم تكن الفرص أمامي مواتية كي أختار أفضل الوظائف وأرفعها مكانة اجتماعية”.. هكذا استهلت أميرة عبدالعزيز (موظفة) حديثها، وهي تشير إلى أن “قلة فرص التوظيف التي تواجه الفتاة حاليا، هي ما يدفع الفتاة إلى قبول وظيفة لاتتلاءم مع مؤهلها العلمي، لكن فقط كي تخرج من شبح البطالة، الذي بات يداهم فتيات كثيرات”. وتقول: “بعد تخرجي في الكلية طرقت جميع الأبواب، وهي الأبواب ذاتها التي يفترض أن تقبلني كمعلمة، بوصفي خريجة دراسات إسلامية، إلا أن كافة المحاولات باءت بالفشل، عندها لمعت في ذهني فكرة البحث عن أي وظيفة تحيي فيّ ما أماته المكوث في البيت، وهو ما حدث فعلا بعد التحاقي كموظفة تسويق في إحدى الشركات بالشرقية”. وتوضح أميرة: “المضحك أن الشركة خصصت لنا قسما نسائيا، على الرغم من أن كافة العملاء الذين تتجه الشركة لخدمتهم هم من الرجال”. وتضيف: “لم يقتصر الأمر على التسويق عن طريق الهاتف فحسب، بل تتبعه زيارات ميدانية للعميل، نقوم فيها بشرح مفصل للخدمة”. وتستطرد: “في بداية الأمر كنت لا أفقه توجه الشركة، لكنني الآن عرفت تماما المغزى من تكليف فتيات بمهمة التسويق بين الرجال، بعد أن واجهت مواقف جعلتني أترك العمل غير آسفة عليه”. الإغراء.. والراتب المغري وعن المواقف التي واجهتها، تقول أميرة: “أبرزها أن يطلب مني عميل قبول دعوة على الغداء في أحد الفنادق، وآخر يغرقني بعبارات الغزل والمديح، على ما أتمتع به من ثقافة وأسلوب يسحر الألباب، وغيرها من أشباه هذه المواقف التي شكلت علي ضغوطا نفسية، حالت دون استمراري في العمل على الرغم من الراتب المغري”. وتشير إلى أن أهلها لم يعارضوا عملها، وذلك بسبب عدم علمهم بحيثيات العمل، وإخفاء أميرة جوانب كثيرة منه عنهم. لا تختلف حالة تهاني (موظفة) عن سابقتها؛ فشبح البطالة كان أمرا يؤرقها كأي فتاة، ويدفعها إلى القبول بوظيفة قد تجلب لها المتاعب؛ وهو ما حدث بالفعل. وتؤكد تهاني أن عملها بالمستشفى في وظيفة الاستقبال تحديدا ممتع للغاية، إلا أنها تواجه نظرات غير مرغوبة، من قبل بعض المراجعين، وبعض العبارات غير اللائقة من بعضهم؛ وهو الأمر الذي لا تستطيع تهاني إخبار مسؤولي المستشفى به؛ كونه قطاعا خاصا؛ وهو القطاع الذي يرى أن الزبون دائما على حق. المدير يتحرَّش لم يقتصر الأمر عند تهاني على المراجعين فقط، بل تطور الأمر إلى مضايقات من قبل مدير المستشفى نفسه، الذي كان يحاول بشتى الطرق استمالتها، إلى أن طلب منها ذات مرة إغلاق باب المكتب؛ الأمر الذي جعلها ترفض وتقدم استقالتها على الفور، نظير عدم ارتياحها للجو العام للعمل، فتركت العمل، وبدأت معاودة البحث عن وظيفة لخريجة ثانوي تريد أن تساعد أهلها. تشير تهاني إلى أنها لم تخبر أهلها بأسباب خروجها من العمل، خوفا من أن يمنعوها من العمل مرة أخرى. وتؤكد وجود حالات تحرش جنسي في قطاعات العمل، كما أنها سمعت بحالات تحرش كثيرة تحدث في بعض المستشفيات. رأي مختلف من جانبها، تعبر إيمان الخالد (موظفة) عن ارتياحها في عملها في القطاع البنكي، وتؤكد أن عملها في قطاع التسويق لم يشعرها بأنها سلعة يستخدمها الرجل لتسويق خدمته، كما أنها تعارض هذه الفكرة التي سادت، خصوصا عن موظفات التسويق. وتقول: “لا يزال المجتمع غير متقبل لفكرة انخراط المرأة في قطاعات العمل جميعها، ولكن قرار مجلس الشورى القاضي بمساواة المرأة والرجل في العمل، جاء لإسكات الآراء المنادية بتقليص فرص عمل المرأة، بسبب تعرضها لتحرشات أو ما شابه”. وتضيف: “الأمر ببساطة يحتاج إلى ضوابط وقوانين تحاسب المتحرش، وتكفل حقوق الموظفة في القطاعات كافة، لا أن تترك الأمور على أعنتها دون ضوابط”. وعن فرص زواج الفتيات اللاتي ينخرطن في وظائف قد لا يتقبلها أفراد المجتمع، تقول إيمان: “لا أنكر وجود هذا الأمر، خصوصا في مجتمعنا السعودي، الذي يرفض إلى الآن الاقتران بالطبيبة والممرضة والصحافية وغيرهن، ممن امتهن مهنا لها احتكاك بالرجل”. وتذكر أنها تتوقع أن “ينحسر هذا الأمر عن ذي قبل؛ فقد بدا الشباب أكثر انفتاحا وعقلانية، ولا أتوقع أن يؤثر عملي على مستقبلي في تكوين أسرة إطلاقا”. ابنتي.. والذئاب ذهبنا لنأخذ رأي الرجال في الموضوع؛ والتقينا (ص.خ) (في الخمسينيات من عمره) فتحدث قائلا: “بعد تقاعدي الوظيفي من إحدى الشركات الخاصة، حيث كنت أعمل على وظيفة مراسل، تغيرت حياتي إلى الأسوأ”. ويوضح: “أنا أصبحت رجلا كبيرا في السن، ولم أعد قادرا على العمل، وأسكن في منزل إيجاره السنوي 12 ألف ريال، وأكبر أبنائي من الذكور لا يتجاوز عمره تسع سنوات”. ويضيف: “هذه الظروف جميعها أجبرتني على الموافقة على عمل ابنتي الكبرى في أحد البنوك؛ كونها خريجة جامعية، وبراتب جيد جدا، إضافة إلى مميزات أخرى”. ويقول: “لكن على الرغم من تحسن ظروفنا المادية كثيرا، إلا أنه كانت مخاوف كثيرة على ابنتي تنتابني من الذئاب المفترسة، وذلك بسبب طبيعة عملها؛ كونها تقوم بمهمة التسويق لخدمات البنك في الكثير من الدوائر الحكومية والخاصة”. ويذكر: “مع العلم أن هذه الدوائر جميع موظفيها من الرجال فقط، وأنا لا أعلم ما القصد من ذلك؟! ولماذا لا يقوم البنك بوضع رجال للتسويق في الأماكن الخاصة بالرجال؟!”. ويوضح: “في نهاية الأمر والله سبحانه وتعالى العالم لولا ظروفي المادية الصعبة، وثقتي بالله سبحانه وتعالى أولا، ثم بابنتي وأخلاقها، ما جعلتها تبقى في مثل هذه الوظيفة يوما واحدا”. الانتحار.. حلا! ويحكي حبيب الراشد (شاب في ال27 من عمره) حكاية شقيقته مع العمل؛ ويقول: “ما زالت فرحة شقيقتي بتخرجها في الجامعة قبل سبع سنوات عالقة بذهني، ولن أنسى طموحها أن تصبح معلمة، تسهم في تعليم الأجيال، لكن للأسف صارت فرحة شقيقتي وطموحها خيالا، بعد سبع سنوات انتظار، ما بين أمل التعيين ورفض والدي لعملها في أي وظيفة يوجد بها اختلاط، كون والدي رجلا متدينا”. ويضيف: “لكن شقيقتي فاجأتنا بمحاولتها الانتحار، من خلال شربها كمية من مساحيق الغسيل، جعلتها طريحة الفراش في المستشفى، لمدة أسبوعين”. ويذكر أن “هذه المحاولة جعلت والدي يغير قناعاته، ويرضخ للأمر الواقع، ويوافق على أي وظيفة تعمل بها، بشرط عدم الاختلاط”. ويقول: “تخيل معي وهي حاملة شهادة البكالوريوس فإنها تعمل في مقصف في إحدى المدارس الخاصة براتب شهري لا يتجاوز ألف ريال، مع العلم أن عدة وظائف تتجاوز رواتبها الشهرية أربعة آلاف ريال عرضت عليها، إلا أنها رفضتها جميعها بسبب الاختلاط”. اتصال.. فعلاقة.. فغرام (م. د) (شاب في الثلاثينيات من عمره) يتحدث إلى “شمس” للتدليل على خطورة عمل الفتيات في أماكن بها اختلاط، ويقول: “أكبر دليل على أن مثل هذه الوظائف إهانة للفتاة، وأن هدفها الربح المادي فقط، أنه في يوم من الأيام اتصلت علي إحدى الشركات الخاصة، التي تبيع المواد الجنسية الخاصة بالرجال، وكنت حصلت على الرقم من خلال إحدى الصحف المحلية الخاصة بالإعلانات، وفوجئت بأن التي ترد علي فتاة”. ويضيف: “شرحت الفتاة كيفية استخدام الدواء من خلال التليفون، وحدثتني عن كل كبيرة وصغيرة فيه، والنتائج المستقبلية لاستخدامه”. ويقول: “هذا جعلني في بداية الأمر أصاب بالصدمة والذهول من هول الموقف؛ (فتاة سعودية تقوم بهذه المهمة)؟!”. ويوضح: “لا أخفي سرا أنني تمكنت من الحصول على رقم جوالها الخاص، والآن تربطني بها علاقة عاطفية مرّت عليها فترة طويلة”. اختلاط غير مفهوم يوضح يوسف بن دليم وجهة نظره بشأن عمل الفتاة وما تتعرض له، ويقول: “بداية.. هناك وظائف عدة منها ما فيه الاختلاط شر لا بد منه، مثل المستشفيات، ومنها تلك التي تسعى إلى استخدام الفتاة سلعة لترويج خدماتها أو منتجاتها، وهو ما نشاهده من قيام بعض البنوك بتوظيف فتيات كل عملهن التنقل بين الدوائر الحكومية والخاصة، بهدف الترويج للبطاقات الائتمانية الخاصة بالبنك”. ويذكر أن “مثل هذه الوظيفة كان بإمكان البنك تكليف موظف للقيام بها، بدلا من الموظفة”. ويضيف: “أتوقع أن سبب قبول عوائل الفتيات لمثل هذه الوظائف يعود لسببين رئيسين؛ أولهما الظروف المادية الصعبة، وثانيهما تأثر عائلة الفتاة بكلام المطالبين بما يعرف بحقوق المرأة واللغة العلمانية السائدة هذه الأيام”. ويؤكد: “كم سمعنا وقرأنا من خلال العديد من الصحف والمنتديات عن تعرُّض كثير من الفتيات للتحرش الجنسي، ناهيك عن علاقات الحب التي كثيرا ما سمعنا عنها، وما خفي كان أعظم”. وعن قبول مثل هذه الفتاة كزوجة؛ يجيب ابن دليم: “يعود الأمر إلى الشخص المتقدم نفسه، فإذا كان من عائلة محافظة، فبالطبع لن يفكر في الارتباط بمثل هذه النوعية من الفتيات، أما إذا كان ممن تأثر بالحضارة المادية والمنادين بما يعرف بحقوق المرأة، والثقة المتبادلة وما شابه فهنيئا له وبالرفاء والبنين”.