ما إن وصلت خبيرة الآثار والجيولوجيا الأميركية الدكتورة جنفير آلن الى زقورة أور الشهيرة غرب مدينة الناصرية (375 جنوب بغداد) حتى راحت تبحث عن محسن، ذلك الرجل الذي لا يجيد القراءة والكتابة بلغته العربية، لكنه يتحدث أكثر من خمس لغات عالمية. الخبيرة التي سألت أصحاب المنزل القروي القريب من المكان حصلت على إجابة فورية من الرجل الذي طرحت عليه السؤال: «أنا ابنه وأبي فارق الحياة منذ سنين». ضايف محسن الغزي في العقد الرابع من العمر، مرشد سياحي في الظاهر وحارس طبقاً لدرجته الوظيفية في هيئة السياحة العراقية، وهو يعمل عند بقايا أثار أجداده وعلى ذكرى والده وجده اللذين كانا هناك قرب بيت النبي إبراهيم الخليل (ع) حيث تعلما بالفطرة أكثر من سبع لغات أهمها الإنكليزية والفرنسية واليابانية والألمانية والإيطالية. أصبح ذلك الرجل أول من يستقبل الأفواج السياحية المتعددة الجنسية التي تزور آثار محافظة ذي قار بزقورتها الشهيرة ومقبرتها الجماعية التي بنيت في زمن مملكة أور الثالثة (مقبرة الملك شولكي أو كما يسمى بالملك الموسيقار). أما الدكتورة جنفير آلن التي اعتادت على زيارة المكان في ثمانينات القرن الماضي، فوقفت في زيارتها زقورة أور متأملة بقايا القبور وتبادلت الحديث مع ضايف، الحارس والمرشد السياحي الجديد. تقول خبيرة الآثار الأميركية إنها اعتادت مرافقة محسن في الزيارات السابقة، وهي تألمت حين عرفت بموته. وتضيف ل «الحياة»: «محسن على رغم معرفتي به بأنه أميّ، لكنه كان يثير إعجابي لما يمتلكه من معلومات، فضلاً عن قدرته على الحديث بأكثر من لغة». ملامح الدهشة ترتسم على وجوه السياح الأجانب وهم يرسمون أو يلتقطون الصور التذكارية لآثار ذي قار، ويستمعون الى حديث ضايف عن تلك المواقع بأكثر من لغة. يقول ضايف ل «الحياة»: «كنت صغيراً عندما بدأ السياح الأجانب يزورون هذه الآثار حيث كان بيتنا يقع بالقرب منها وكنت أرافق أبي لأتعلم منه ولأكتسب اللغات السبع التي كان يعرفها، فالتعلم في الصغر كالنقش في الحجر. لذا، حفر أبي في داخلي حب هذه الآثار». ويشير بحسرة واضحة الى أن «التمنيات كثيرة. لذا، على رغم أن زوجتي لم تنجب لي ولداً، إلا أنني أتمنى ان تخلفني بناتي في هذا العمل الذي توارثناه من الأجداد لسنوات طويلة». ويتمنى ضايف ان يكون هناك اهتمام بمهنة المرشد السياحي وتنميتها وألا تعتمد هذه المهنة فقط على شهادة الدراسة وإنما يكون الاعتماد أيضاً على الثقافة العامة وحب المكان والانتماء إليه، فوالده مثلاً لم يكن يعرف القراءة والكتابة وإنما كان الأشهر بعمله. ويقول «بفعل انتماء والدي الى المكان وعشقه لرائحة الآثار، كان يجيد عمله في شكل كبير على رغم عدم إجادته القراءة والكتابة بلغته الأم. لذا، نرجو أن يكون هناك أكثر من محسن وفي أكثر من موقع أثري عراقي فتتحسن بذلك صورتنا أمام القادمين إلينا وخصوصاً أصحاب الثقافات المتعددة». اللافت أن شهرة ضايف بلغت مسامع السياح حتى قبل قدومهم الى العراق. لذلك، ما إن يصلوا الى زقورة أور حتى يسألون عنه لاتخاذه مرشداً لهم حتى وإن كان في صحبتهم مرشد آخر.