في مرات كثيرة، أخرج أنا وهو ووجوهنا ملطّخة بالتوتر. أحب سامي لكن مرضه بالوقت يوتّرني. أحاول الإسراع، لا أريده أن يتضايق الليلة، فنجلس حول عشاء عيد زواجنا والضيق والصمت المدبب بيننا. ثم أنني الليلة سأحمل حقيبتي الجديدة. قبل قليل انتهى هو من لبس ثيابه وجلس أمام التلفزيون، وما لبث أن نهض وبدأ يحوم من حولي، وصوته: «متى ستأتي ألسا؟» «ربما بعد قليل.. عادةً تصل في وقتها.» الأحد يوم عطلة خادمتي الفليبينية... ألسا ذهبت إلى الكنيسة، ولم تعد بعد. أتوقع وصولها. انتظرت لحين تناول الصغيران عشاءهما وناما، كي استحم وأجفف شعري... لن نخرج من البيت قبل عودة ألسا لتبقى معهما. في كل مرة، يتجهز قبل موعد خروجنا بفترة، ويبدأ بملاحقتي: «لا تتأخري.» «لن أتأخر.» يجالس جمر الوقت، ونظراته المتضايقة. أشعر وكأنه ينفخ حرّ أنفاسه عليَّ. وما يلبي أن ينتقل شيءٌ من توتره ليربك حركة يديّ ويعرقل خطوتي. في الفترة الماضية، كلما زرت مجمع «الأفنيوز»، أجد نفسي أمرّ بقربها. الحقيبة. أحببتها لحظة رأيتها بإغرائها خلف الزجاج. شعرتُ وكأنها تنادي عليَّ، وتصورتُ نفسي أعلّقها على كتفي وأتمشى منتشيه بها. ثمنها الباهظ ظل يصدّني كلما فكرتُ بشرائها. لن أشتري حقيبة ثمنها يعادل ثلاث مرات قيمة راتبي الشهري.. اذكر ذلك؛ كنا على الغداء حين حدّثت سامي عنها وسألته رأيه، فأجاب: «غالية جداً.» بقيت أنظر إليه فأضاف: «يمكنك شراء غيرها.» كنتُ استمع إليه، وصورة الحقيبة تملأ رأسي. لن أترك الصغيرين وحدهما... بقي عليَّ مكياج وجهي، أحاول ألا يأخذ مني وقتاً. «حجزتُ في المطعم الساعة الثامنة والنصف، متى ستصل ألسا؟» صوت سامي يسألني. «في أي لحظة»، قلتُ واقترحت عليه: «انزل إلى مكتبك لتقرأ أي كتاب لحين أنتهي.» إلحاحه يوترني. حينما سألني الأسبوع الماضي: «ماذا تريدين هدية لعيد زواجنا؟» نظرت إليه وابتسامة وجهي. وكما لو أنه فهم قصدي، قال وقد انتقلت ابتسامتي إلى وجهه: «الحقيبة؟» «نعم.» قلت من دون تردد. ظل ساكتاً، فبادرته: «عيد زواجنا، أنا أدفع النصف وأنتَ النصف الآخر.» لم يردّ بكلمة اكتفى فيما يشبه ابتسامة، وتحاشيت أنا فتح الموضوع مرة ثانية. في المرة الأخيرة التي عبرت فيها من أمام الحقيبة، لا أدري من أين جاء الهاجس إليَّ: «ماذا لو جئت فلم أجدها؟ البضائع تنفد بسرعة.» يومها دخلت المحل لأسأل البائع... راجع الكمبيوتر ورفع وجهاً باسماً لي وقال: «لدينا حقيبة واحدة.» «لا أريد المعروضة، أريد جديدة.» أشار برأسه: «أعرف، الكثيرون لا يشترون البضاعة المعروضة.» لا أدري لماذا تأخرت ألسا عن موعد رجوعها؟ فاجأني سامي حين دخل عليَّ ظهر اليوم حاملاً الكيس. قفزت من مكاني: «معقولة!» قال إنه يحبني، وأنه أحضرها ليدخل السرور إلى نفسي، وقبل أن يضيف شيئاً أخذته لحضني أقبّله. «حبيبي.» قبل قليل أعدت فتح علبة الحقيبة، استخرجتها من كيس القماش الذي يحفظها. أبقيت الفاتورة مغلقة.. «لن أرمي العلبة.» قلت أحدثُ نفسي. عدتُ طفلة صغيرة تفرح بهديتها، ورحت أتأملها بفرحي. «سأنتظركِ في مكتبي.» لكزني صوت سامي وهو يخطو خارجاً من غرفة نومنا. ليس لدينا أي التزام ينتظرنا، عشاء في مطعم، لماذا التوتر؟ لن يتغير! سأضع قليلاً من الظلال على الجفون قبل قلم الكحل. سأظهر بمكياج بسيط. هذه هي «الماسكرا». أشعر بالعطش. ألسا لم تعد بعد. لا أدري لما تأخرت الليلة؟ أكاد أنتهي. أحمر الشفاه. أي لون أنسب الليلة؟ اخترتُ حذائي. سأسرع بالنزول لأنتظر بقربه: «سامي» «نعم.» خطرت أمامه حاملة حقيبتي الجديدة: «ما رأيك؟» «أنتِ أجمل من الحقيبة.» باب البيت ينفتح وتدخل ألسا. «مساء الخير.» انتبه إلى أنها تحمل حقيبة.. لا يمكن! «دعيني أرى.» اقترب من ألسا، حقيبتها تشبه حقيبتي تماماً.. يتسرّب خوفٌ مفاجئ لوجهها. أمدّ يدي لأقلب حقيبتها، فتخبرني بصوتٍ مرتجف: «اشتريتها الأسبوع الماضي. المحل الصيني يبيع حقائب تقليد.» شيءٌ ما قفز عليَّ فأمسك بأنفاسي. نظرتُ صوب سامي، لكنه كان قد سبقني إلى السيارة.