في إطار مهرجان «50 يوماً/50 سنة» الذي يقام حالياً في مسرح دوّار الشمس تمّ تقديم مسرحية «زيارة» من إخراج ألان سعادة ومن كتابة إيلي نجيم وتمثيله إضافة إلى ممثلين مساعدين. إيلي نجيم الذي يقدّم تجربته الأولى في الكتابة في عملٍ يُقدَّم أمام الجمهور العريض أثبت أنّه قادرٌ على التطرّق إلى مواضيع دقيقة منتبهاً إلى تفاصيل كثيرة فيها. أبٌ يمارس مهنة الطبيب النفسي يشعر هو نفسه بعبءٍ نفسي يثقله بعدما عرف أنّ ابنه مسجون بتهمة القتل، ويصبح الطبيب النفسي مريضاً نفسياً يتعالج عند طبيب نفسي آخر توصله نصائحه إلى الموت على يد مريضه، ويتحوّل هذا المريض إلى قاتل يتخلّص من كل محيط ابنه حتّى يخرج من السجن من دون أن يضايقه أحد بنظرةٍ مُدينة. قد يكون النص الأجمل في المسرحية هو المونولوغ الذي يتوجّه به الطبيب المجنون إلى زوجته بعدما قتلها، ويفرغ ما في صدره من كلمات لطالما أراد أن يقولها لها ولكنّه كان يسكت كي لا يزعجها أو كي لا يخانقها، فيصارحها بانزعاجه من الانتظار الدائم الذي يعيشه معها، انتظارها كي تنتهي من ارتداء ملابسها، انتظارها لتنهي تبرّجها، انتظارها تسعة أشهر كي تضع إبنهما... انتظارها كي تموت بين يديه وهو يخنقها! استطاع إيلي نجيم الكاتب أن يربط بين مختلف الشخصيات المُساندة له في العمل كما استطاع نجيم الممثل أن يجيد أداء دوره فجسّد ببراعة شخصية الرجل الستيني أو حتّى السبعيني فصدّق المشاهدون أن هذا الشاب الذي لا يزال في العقد الثاني من عمره يمشي فعلاً ببطء ويتكلّم بصعوبة ويتعب بسرعة. وهنا لا بد من التنويه بدور مخرج العمل ألان سعادة الذي تمكّن من إدخالنا في الجوّ العام من خلال الرؤية التي نقلها إلينا، والذي أحسن إدارة ممثليه. وعلى رغم أنّ دور إيلي نجيم كان الأكبر مساحة ولفتاً للانتباه إلاّ أنّ الممثلين الآخرين كانوا لافتين للنظر أيضاً بخاصةٍ هادي دعيبس في دور بائع الورد صاحب العبارات الحكمية (هو أيضاً قام بتأليف الموسيقى وبالسينوغرافيا)، وضنى ميخائيل في دور «الديفا» التي تلبس ثوباً مليئاً بالأضواء وتحلم بالموت على خشبة المسرح فتأتي من خلف الجمهور وتمشي بينهم ساعية بجهد للوصول إلى الخشبة ولكنّها تموت قبل لحظات من وصولها إليها. أمّا الممثلان طارق يعقوب وهبة نجم فلعبا أيضاً دورهما في شكلٍ لافت على رغم أنّهما لم يتفوّها بكلمة، فطارق يعقوب استطاع أن يبقى مسمّراً على سرير المرض طوال مدّة العرض فظهر حقّاً أنّه عاجز، بل حتّى ميت، وهبة نجم تمكّنت بنظراتها من أداء دور العاشقة التي تنتظر حبيبها فخطفها الموت قبل أن تتمكّن من الحلم بالغد. الرمزية في هذا العرض كان لها حيّز واسع فكان لافتاً مثلاً مشهد القفص المقفل الذي يفتحه الأب بعد أن يتخلّص من الجميع وقبل أن يضع حدّاً لحياته، وكأنّه كان يفضّل أن يبقى ابنه في السجن قبل أن «ينظّف» له المحيط الذي سيكمل حياته فيه، بل كأنّ السجن أفضل من الخروج إلى الحرية حيث يمكن نظرات الناس أن تأسر المرء وتضيّق عليه الحياة إلى درجة الحكم عليه بالإعدام! وكذلك فكرة البن، أي القهوة التي تُقدَّم عادة خلال التعازي، كانت لافتة، فكان الطبيب يرش البن على كلّ شخصٍ يقتله ثمّ يأتي بإبريق ماء ويسقي هذا البن، ربما آملاً بأن يزهر العزاء على روحه! ثمّ في النهاية يقوم الرجل برشّ البن على نفسه، بعدها يسقي نفسه بالماء متصرفاً وفق منطق «المساواة في الظلم عدل» أو وفق مقولة «مَن ساواك بنفسه ما ظلمك»، فيطبّق على نفس الحكم ذاته الذي طبّقه على الآخرين. هذه التجربة المسرحية الحافلة بعناصر عدة مهمة مثل الديكور والأداء والرمزية والموسيقى والنص والإخراج لا تحتاج إلاّ إلى بعض التعديلات الطفيفة كي تكون أكثر وضوحاً لجميع فئات المشاهدين، علماً أنّها تعد بفريق موهوب من الشباب المتحمّس الذي نأمل مشاهدته في أعمال كثيرة أخرى فلا تقف محاولاته عند هذا العرض.