جاء تأهل المنتخب المصري لمونديال كأس العالم بعد انقطاع نحو28 عاماً، بمثابة عودة الروح لكرة القدم، وصاحَبها طفرة في الإعلام الرياضي. وللمرة الأولى منذ سنوات، تحوّلت 70 في المئة من الإعلانات المخصصة للدراما والمنوعات إلى الرياضة، إذ سحبت الشركات الكبرى رعايتها البالغة نحو بليوني جنيه، (أكثر من 11 مليون دولار) لتذهب لمصلحة كرة القدم، ومن المنتظر أن تزداد الإعلانات الرياضية خمسة أضعاف، لتحتل الساحرة المستديرة الصدارة، وفق مصادر رياضية ل «الحياة». وبهذا يتحول هذ الموسم الممتد حتى انتهاء بطولة كأس العالم (روسيا 2018) إلى كرة قدم خالصة وكاملة الدسم، بخاصة أن الساحرة المستديرة تمثل متنفساً للمصريين ومصدراً لأفراحه وانتصاراته، كما تجمعهم تحت مظلتها باختلاف مشاربهم. ولم ينقطع المصريون يوماً عن متابعتها باستثناء فترات متفاوتة بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية. وانعكس شغف الجمهور المصري بالكرة على الإعلام الرياضي، إذ شهدت السنوات السابقة لاندلاع الثورة المصرية في كانون الثاني (يناير) 2011، طفرة ورواجاً، وتنامى الاهتمام بالإعلام الرياضي واتخذ أشكالاً جديدة. وشهدت حقبة نهاية التسعينات ازدهاراً للإعلام الرياضي، وبدأ الاتجاه إلى إنشاء قنوات رياضية متخصصة دشّنها التلفزيون المصري ب «النيل للرياضة» ضمن باكورة قنواته المتخصصة، ثم ظهرت القنوات الرياضية المشفّرة، وخلال الألفية الجديدة التحقت الفضائيات الخاصة بالمنافسة، ومنها «دريم سبورت» و «مودرن سبورت» و «دريم» و «الأهلي» وسواها، وتوارى بعضها واستمر بعضها الآخر. لكن مع اندلاع الثورة عام 2011 والسنوات التالية، تراجع الاهتمام بالإعلام الرياضي، وتحول الاهتمام الجماهيري إلى السياسة ومتابعة الأحداث الملتهبة، كما أدت الأوضاع الأمنية المضطربة إلى تعليق المباريات والنشاطات الرياضية، وبعد استئنافها مجدداً، تتابعت مجموعة من الأحداث الدموية والشغب الجماهيري التي اقترنت بمباريات كرة القدم، وبينها «مذبحة استاد بور سعيد» التي راح ضحيتها 72 مشجعاً من جمهور الأهلي، فتوقف النشاط الرياضي عاماً آخر. وعقب اندلاع ثورة 30 حزيران (يونيو)، جمّد اتحاد الكرة النشاط الكروي وألغى بطولة الدوري، فيما تابع الجمهور المباريات الدولية عبر القنوات المشفّرة. ومع ذلك، تظل الرياضة ملاذاً للمشاهد وعلاجاً لحالة الارتباك السياسي التي استمرت خلال السنوات السبع الماضية. الرعاية في سوق الإعلام الرياضي استحوذت «مؤسسة الأهرام» قبل عام 2011 على سوق الإعلام الرياضي عبر الرعاية والإعلانات، لكن حل محلها خلال السنوات الأخيرة شركة «بريزنتايشن سبورت» التي استحوذت على حقوق الرعاية الرسمية للكرة المصرية بعد منافسة مع وكالتي «الأخبار» التي عرضت 400 مليون جنيه و «الأهرام» التي عرضت 375 مليون جنيه، لتفوز الشركة لخمس سنوات مقبلة، من موسم 2017 حتى 2022، موعد انطلاق «المونديال»، مقابل 405 ملايين ونصف المليون جنيه، في صفقة اعتُبرت تاريخية لأنها الأكبر من نوعها في تاريخ اتحاد الكرة المصري. وعاد ليزدهر الإعلام الرياضي خلال العامين الفائتين، وشهد توسعاً في القنوات الرياضية وتنافساً محموماً بين الشبكات التلفزيونية، فظهرت «دي إم سي رياضة» و «أون سبورت» وغيرهما، بينما قامت القنوات والشبكات الإذاعية بالتوسع في البرامج الرياضية، مقابل تنافس محموم على الاستعانة بنجوم الكرة السابقين للاستضافة والتعليق والتحليل، أو لتقديم البرامج الرياضية. وعلل رئيس قناة «النادي الأهلي» جمال العاصي ل «الحياة» ازدهار الشاشات الرياضية، بقوله: «تهاوت السياسة وتضاءل الاهتمام بها ولم تعد تجذب الجمهور الذي كفر بالمنهج السياسي الذي اتسم بالتضارب والأكاذيب، فيما افتقد بعض المذيعين صدقيتهم نظراً لمواقفهم المتقلبة، ما جعل القنوات تتراجع عن الشأن السياسي، فذهبت الجماهير إلى العالم الافتراضي من خلال مواقع التواصل الإجتماعي حيث يمكن للمرء أن يرى ويحلل وفقاً لأهوائه وما يرضي غروره الشخصي بعيداً من الإعلام. وهنا حدثت صحوة، بخاصة أن خريطة كرة القدم واضحة المعالم، إذ يتابع المشاهد نتيجة المباراة على الهواء مباشرة، وإن لم يعجبه التحكيم يعترض فوراً، فهي تمثل المحكمة العادلة من دون تأجيل أو مفاوضات أو مداولات، فتقوم على الشفافية المفقودة والناجزة في العالم، والوطن العربي في شكل خاص». واعتبر رئيس قناة الأهلي أن تنافس الشاشات على استقطاب اللاعبين القدامى لتقديم برامجها هو أحد الأخطاء الفادحة في مجال الإعلام الرياضي، إذ أدى إلى تدني مستوى الحوار لكونهم غير مؤهلين للتقديم التلفزيوني. وتميل القنوات إلى اللجوء إلى نجم مشهور من دون الاهتمام بمدى صلاحيته». واعترف بأن مصر تواجه مشكلات كثيرة بفعل عدم الوعي للمذيع الرياضي، منوّهاً بأزمة مباراة الجزائر ومصر قبل سنوات، والتي أدت إلى نشوب أزمة سياسية بين البلدين. تجديد الخطاب الرياضي قبل الديني ويرى رئيس قناة الأهلي أن مصر تحتاج إلى تجديد الخطاب الرياضي قبل الخطاب الديني، كونه الأسرع والأكثر وصولاً إلى الجمهور، مطالباً بتنقيته من لغة الكراهية والعداوة، والابتعاد عن التشويه، معتبراً أن الإعلام الرياضي قادر على توحيد الجمهور باختلاف اتجاهاته وهويته وعقيدته في ظل كثافة الخلاف المجتمعي. وتحدثت أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة ليلى عبدالمجيد إلى «الحياة»، قائلة: «يأتي الاهتمام بالقنوات الرياضية استجابة لاحتياجات الجمهور الذي يعشق ويتابع مباريات، إذ تدر الرياضة المكاسب عبر جذب الرعاة والإعلانات، فتعد مشروعاً مربحاً يحقق عائداً اقتصادياً، بخاصة كرة القدم التي يعشقها الجمهور حد الهوس بمتابعة أخبارها والتحليلات حولها، ولا ينحصر الاهتمام بالمباريات الوطنية، بل يمتد إلى تلك العالمية، ومن هنا اكتسبت تلك القنوات شعبيتها». ولا تستطيع عبدالمجيد الجزم بأن الشاشات الرياضية سحبت البساط من تحت أقدام القنوات الأخرى، قائلة إن هذا الأمر يتطلب أرقاماً دقيقة لنِسَب مشاهدة مختلف الشاشات، فيما نعاني عدم وجود جهات تقوم بذلك، والشركات الموجودة فعلياً تدور حولها علامات الاستفهام وتفتقد الصدقية، ما يمثل مشكلة بالغة فيصبح الاعتماد على الانطباعات والتوقعات من دون أرقام. وأضافت أستاذة الإعلام أن «ثمة خطأ تقع فيه تلك القنوات وتشاركها فيه الصحف العامة والرياضية، وهو الاهتمام باللعبة الأشهر «كرة القدم». وأعربت عن آمالها في الاهتمام بالألعاب الأخرى، جماعيةً وفردية، لافتة إلى أن فلسفة الرياضة تقوم على روح التسامح والأخلاق، وهو ما يغيب عن تلك القنوات التي قد تكون سبباً في المشكلات أحياناً. وأضافت عبدالمجيد: «في تاريخنا، ثمة مذيعون اشتهروا في الشأن الرياضي إذاعياً وتلفزيونياً، وبينهم فهمي عمر وآخرون، غير أن الشاشات تميل إلى الاستسهال والاعتماد على الرياضيين السابقين، استناداً إلى شهرتهم وجماهيرهم من دون الاهتمام بتأهيلهم وتدريبهم على مهارات العمل التلفزيوني والمتطلبات التي ينبغي أن يكون عليها المذيع أو المحلل، ما نجم منه مشكلات عدة». وقال المذيع الرياضي في قناة «أون سبورت» مدحت شلبي ل «الحياة»، إن «الرياضة، بخاصة كرة القدم، مهمة للشعوب، لذا تعتبر البرامج الرياضية هي الأكثر جذباً للمشاهد بعيداً من المسلسلات، بالتالي فالسلعة الرياضية هي الأكثر جاذبية، إضافة إلى ملل الجمهور من السياسة والانسحاب إلى الرياضة التي تأتي في المرتبة الأولى، وفقاً لأبحاث المشاهدة التلفزيونية، تليها برامج المنوعات». وأوضح شلبي أن استعانة القنوات بلاعبي الكرة السابقين يأتي نظراً لتمتعهم بالبريق حتى وإن اعتزلوا، ما زال لديهم رصيد من نجومية لدى الجمهور، يصطحب جزءاً من هذا البريق على الشاشة، فإذا توافرت فيه الثقافة والكاريزما سينجح، أما إذا افتقد تلك المواصفات فسيبوء بالفشل، وخير مثال على ذلك هو مارادونا الذي فشل في أن يكون مذيعاً، إذ افتقد الحضور والقبول».