يبدو أن المشهد الفضائي المصري ستتغير ملامحه خلال الفترة المقبلة. فبعدما كان الاستثمار في الفضائيات أحد الأهداف الاستراتيجية لرجال الأعمال المصريين والعرب تغير الأمر في الفترة الماضية بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة. ويؤكد المنتج محسن جابر أن الاستثمار في القنوات الفضائية كان أمراً مربحاً في بداية القرن الحادي والعشرين، وعندما أسس قناة «مزيكا» حققت أرباحاً كبيرة ما حمسّه لتكرار التجربة مع قناة أخرى هي «زووم». و «لكن مع مرور الوقت قلّت الأرباح لأن الأزمة الحقيقية التي تواجه القنوات الفضائية هي غياب الإعلانات المدفوعة الأجر التي تقلصت مساحتها كثيراً نظراً لتقليص الشركات المعلنة موازنة الدعاية الخاصة بها لتفادي الأزمة المالية التي هزّت الاقتصاد العربي والعالمي، وهو ما دفعنا للتعامل مع وكالات إعلانية تتولى مسؤولية الإعلانات التلفزيونية مقابل مبلغ سنوي محدد يشترون به كل الدقائق الإعلانية عبر برامج القناة». المحطات الرياضية لم تسلم من الأزمة أيضاً. وبسرعة خرجت الفضائيات المصرية من المنافسة مع الفضائيات العربية لعدم قدرتها على الحصول على البطولات الحصرية، وتفرغت فقط للمنافسة على عرض الدوري الحصري لكرة القدم. من هنا اختفت محطتا «دريم سبورت» و «مودرن سبورت2» والبقية تأتي. ويقول أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم: «يتصور بعضهم أن الاستثمار في إنشاء القنوات الفضائية يحقق نجاحاً بشكل مضمون وهذا الأمر غير حقيقي، لأن زيادة عدد المحطات الفضائية خلق حالا من التشتت لدى المعلن، ولذلك فهو يوزع إعلاناته على أكثر من محطة بسعر منخفض. كما أن الشركات التي تعاني من أزمات اقتصادية تطالبها الوكالات الإعلانية بتخفيض سعر الدقيقة الإعلانية وإلا ستتوقف عن التعامل معها، ولا تجد الوكالات مفراً من التخفيض، نظراً لحال الركود الاقتصادي والخسائر التي تعاني منها الشركات». ويشير العالم إلى أن صفقة «إي أر تي» و «الجزيرة الرياضية» «جاءت مثمرة للطرفين، لأن شراء حقوق بث المسابقات العالمية الكبرى مثل كأس العالم لكرة القدم ودوري أبطال أوروبا مكلف جداً، وكان لا بد من حدوث تكامل بين هذين الكيانين الكبيرين من أجل مصلحتهما ولضمان وجودهما في المنافسة الفضائية، بما ان المحطات التلفزيونية المتخصصة في الرياضة لا معنى لها من دون وجود بطولات كبيرة على شاشاتها تجذب الجمهور». ويؤكد المذيع أحمد شوبير كلام العالم، ويشير إلى أن «بعض الفضائيات يخرج سريعاً من دون اية دراسات، فيفاجأ اصحابها بأنها غير قادرة على الاستمرارية، ولذلك يفكرون في دمجها داخل كيانات أكبر أو يلجأون لبيعها للحد من الخسائر». ويضيف ان «بعض رجال الأعمال تنبه للعبة وأجّل صدور محطاته لحين التأكد من تحقيقها أرباحاً، أو على الأقل تغطية التكاليف». ويرى شوبير أن «الفضائيات الرياضية المصرية تعاني أزمة الحصول على حقوق المباريات العالمية، وبالتالي يقتصر نشاطها على الدوري المصري، وهو معروض في أكثر من محطة أرضية وفضائية، ولذلك لا تحقق الفضائيات الرياضية المكاسب المرجوة، لأن صناعة الإعلام قائمة بشكل أساسي على الموارد المادية». محطات نحو الاقفال وتأتي صفقة بيع جزء من أسهم شركة «روتانا» لروبرت مردوخ بمثابة المفاجأة التي هزت عرش الإعلام العربي، نظراً لأن «روتانا» تمتلك معظم نيغاتيف الأفلام المصرية، وبالتالي فإن مخاوف السينمائيين كبيرة من ضياع هذا الأرشيف السينمائي «الذي لا يعوض بثمن». وتقول الناقدة ماجدة خيرالله: «لقد انعكست أزمات «روتانا» و «إي أر تي» على السينما المصرية بعد تراجعهما عن شراء الفيلم المصري بسبب قلة عائداتهما، كما أن السينمائيين المصريين قلقون جداً لأن صفقة بيع «روتانا» لمردوخ لو تمت ستشكل خطراً كبيراً، لأن «روتانا» تمتلك أكثر من 70 في المئة من إجمالي تراث الأفلام المصرية، وكانت قد اشترت الأصول الخاصة بها منذ عشرة أعوام ورممتها واعادت طبعها من خلال النيغاتيف». وتعتقد خيرالله أن «الكثير من القنوات الفضائية المتخصصة في السينما ستحتجب خلال الفترة المقبلة لعدم قدرتها على شراء حقوق الأفلام الجديدة بل القديمة أيضاً وذلك لأسباب مادية وتسويقية». اما الاستثمار في الفضائيات الإخبارية فتنطبق عليه مقولة «مكانك راوح»، نظراً للتكلفة العالية التي يتكبدها صاحب المحطة. ولا يمكن قياس تجربة محطتي «الجزيرة» و «العربية» بأية محاولات أخرى لأنهما يتمتعان بإمكانات إنتاجية كبيرة. وتتوقع مذيعة الأخبار ريهام إبراهيم أن يختفي الكثير من المحطات الفضائية خلال الفترة المقبلة لظروف اقتصادية، إضافة الى فشل محاولات إنشاء قنوات إخبارية متخصصة، «لأن صناعة الأخبار مكلفة جداً، وهي ليست مصدر جذب لشركات الإعلانات، كما أنها تتعرض لعراقيل أخرى بسبب عدم قدرتها على منافسة قناتي «الجزيرة» و «العربية» اللتين تدعمهما جهات حكومية». الفضائيات القائمة على برامج المسابقات بشكل رئيسي لم تسلم هي الأخرى من العاصفة الاقتصادية، إذ توقف بث قناة «ميلودي تركس» لأسباب مادية. ومن المتوقع أن تخفق محطات أخرى من هذا النوع في مواصلة المشوار بعدما فطن المشاهد اللعبة، وعرف أن كسب آلاف الدولارات لن يتحقق على رغم إنفاقه مبالغ كبيرة من خلال اتصاله، وعرف أن آخر ما يمكن الحصول عليه هو ابتسامة مثيرة من المذيعة. الدراما... طوق النجاة ويبدو أن القنوات المتخصصة في الدراما لا تزال بمنأى عن الأزمة الاقتصادية إذ زاد الإقبال على الاستثمار فيها بما أنها تستقطب نسبة كبيرة من الإعلانات. ومن المتوقع أن تشتد المنافسة بين قنوات «بانوراما دراما» و «أوسكار دراما» و «نايل دراما» و «كايرو دراما» بعد انطلاق قناة «ميلودي دراما» التي رصد لها صاحبها جمال مروان موازنة مبدئية تقدر بعشرة ملايين دولار. عن تجربته يقول مروان: «بيع القنوات أو إلغاؤها يتوقف على متطلبات السوق ومدى إقبال المشاهد والمعلن عليها، وعندما وجدت أن قناة «ميلودي تريكس» لا تحقق الأهداف المرجوة منها أوقفتها، في المقابل خرجت «ميلودي دراما» للنور لأن شركات الإعلانات تقبل على المحطات الفضائية المتخصصة في المسلسلات التلفزيونية. ولضمان استمراريتنا تعاقدنا مع وكالة إعلانية متخصصة لئلا نشتت ذهننا في موضوع الإعلانات ونركز على المشاركة في إنتاج مسلسلات تلفزيونية مع الجهات الحكومية والخاصة، وكذلك إنتاج برامج متخصصة في الدراما». وعلى رغم أن الفضائيات المصرية كانت رائدة في إنتاج برامج المنوعات فإنها خرجت من اللعبة في العام الماضي ولم تستطع منافسة الفضائيات الخليجية، نظراً لتكلفة برامج المنوعات الكبيرة، لذلك لم نجد برنامجاً مصرياً ينافس «آخر من يعلم» على شاشة «ام بي سي» او «ليالي السمر» على «قناة أبوظبي» وسواهما من البرامج. وتؤكد المذيعة هبة الأباصيري أن «الفضائيات المصرية ستواجه تحديات خاصة، وعليها تحسين مستواها والتكتل مع بعضها بعضا كي لا تتوقف عن البث، فالمنافسة صعبة جداً وهناك بعض المحطات الفضائية العربية مثل «ام بي سي»، «أبوظبي»، «الرأي»، «دبي»، و «ال بي سي» تنفق الملايين على برنامج واحد قوي في الوقت الذي نجد أن هناك محطات فضائية لا تمتلك القدرة على إنتاج برنامج بالكفاءة نفسها، وهذا ليس مرتبطاً ببرامج المنوعات فقط، لكنه يمتد ليصل إلى المسابقات الرياضية والأفلام الأجنبية والدراما التركية التي تعرضها». إذاً بعدما سيطرت المحطات الغنائية على الساحة التلفزيونية المصرية، يبدو انها اليوم في تراجع واضح مقابل تزايد الاهتمام بقنوات الدراما. فهل سيطول هذا الاهتمام، ام ان موجة تلفزيونية جديدة ستأخذ الاولوية؟