وفق دراسات متقاطعة، ثمة أسباب تدفع الجمهور إلى الهجرة من التلفزيون إلى الشبكات الاجتماعيّة، تتصدّرها الكلفة المتزايدة للاشتراكات في الأقنية المتلفزة، وهي تلامس 40 يورو شهريّاً، مع توقّع ارتفاعها بمقدار 32 في المئة في العام 2018. وفي مثل واضح، خسرت قناة «كنال بلوس» Canal+ الفرنسيّة قرابة نصف مليون مشترك أثناء العام 2016. ويلجأ بعض الجمهور إلى الإنترنت لرؤية ملخّصات عن برامج تهمّه، فيما يستعمل بعضه الآخر طرقاً بديلة (كقرصنة الأقنية المشفّرة) لمشاهدة مباريات رياضيّة بارزة، خصوصاً في كرة القدم. وثمة تجربة حصلت مع سباق «الفورمولا»، انخفض فيها عدد متابعي السباق على التلفزيون عندما نقلت سباقاته عبر شبكة متلفزة غير مجانيّة. وثمة من يخشى أن تؤدي الكلفة المتصاعدة للاشتراكات في الأقنية التلفزيونيّة، إلى انصراف الجمهور عن الاهتمام بالبرامج التي تقدّمها تلك الأقنية بما فيها الرياضة. ولعله من المهم ملاحظة أن المشاهد المعاصر لا يحصر عينيه في شاشة مفردة. إذ أظهرت دراسة بريطانية أجريت في 2015 أن ثلثي الفرنسيّين يطالعون التلفزيون، لكن مع إضافة شاشة أخرى على الأقل. وفي سياق متّصل، أشارت دراسة صدرت عن موقع «تويتر» أخيراً إلى ميل ما يزيد عن نصف الجمهور إلى التغريد بتعليقات عن البرامج التلفزيونيّة أثناء مشاهدتها، ما يشير أيضاً إلى ظاهرة التعدّد في مشاهدة الشاشات. ويعني ذلك أنّ المشاهد غير المنخرط في المشاهدة المباشرة للبرنامج التلفزيوني، يعمد إلى تبادل الأخبار عن ذلك البرنامج مع المشاهدين الآخرين، إضافة إلى متابعات أخرى. وفي زمن ليس ببعيد، أبدى المسؤولون عن المحطات التلفزيونية انقساماً حيال ظاهرة المشاهد المتعدّد الشاشات، باعتبار أنها مهمة لكنها غير خطيرة. ومع الوقت، تبيّن أنّ تعدد الشاشات بات أمراً لا مفر منه، ما دفع بفكرة استعمال الشبكات الاجتماعية لمصلحة التلفزيون. وبرزت محطات تلفزيونيّة بوصفها شريكاً لل «سوشال ميديا»، لا منافساً لها، ما ساعد على تحسين جودة البرامج التلفزيونيّة وتطوير نوعيّتها. في المقابل، صعد توجّه نحو إنشاء محتوى خاص يتّصل بالمحتوى المرئي- المسموع خاص على «تويتر» بهدف إعطاء الموقع قيمة إضافيّة. ويشمل ذلك المحتوى التذكير بأوقات البرنامج، وشرح ما يحصل في الكواليس، وتقديم شروح عن دراسات إحصائيّة، والتواصل مع حسابات الصحافيين والمذيعين وغيرها. وتبيّن أن 85 في المئة من الجمهور، يتواصلون بعضهم مع بعض عبر «تويتر» أثناء بث التلفزيون فترة الإعلانات، كما تحاول نسبة مشابهة الحصول على آراء عن منتجات نوعيّة يسعون لشرائها وما إلى ذلك. هل تعرف فريقك المفضل؟ استشر «فايسبوك» تعتبر الشبكات الاجتماعية الوسيط الأول لتبادل المعلومات بالنسبة إلى مجموعة كببرة من الفرق الرياضية. ويملك فريق برشلونة قرابة 97 مليون مجشع على «فايسبوك»، وأدى فوز فريق «ليستر» الانكليزي بالدوري إلى ارتفاع متابعيه على «فايسبوك» بقرابة 487 في المئة. وعندما يريد فريق معين أن يعلن عن معلومة مهمة، فإنه يرسلها أولاً إلى الشبكات الاجتماعية. وبالتدريج، بدأ المشجعون يكتشفون أسرار الفرق واللعبة والتدريب والحكام وغيرها. وبالنسبة إلى النوادي، فإنّ صورة الفريق هي الأهم. ولكن على الفرق الانتباه إلى الأخطاء في الأخبار أيضاً، أو ما يسمى «الخبر الخطأ» الذي يؤدي إلى ردود فعل غير جيدة بالنسبة إلى سمعة الفريق. وهناك تطبيقات رقمية تستثمر ذلك البعد في علاقة الجمهور مع النوادي، ما فتح باباً أمام أنواع جديدة من التسويق. وفي ذلك الصدد، تشير مؤسّسة أميركيّة مختصة بسوق الإعلانات على الانترنت، إلى أنّ شبكات التواصل الاجتماعي هي الأرض الخصبة المقبلة في عوالم الإعلانات الرياضية. بقول آخر، أعادت العوالم الرقمية رسم علاقة الجمهور بالنوادي الرياضيّة، بل تؤدي أيضاً دوراً في توقيع العقود وبيع صور اللاعبين وشعار الفريق وغيرها. ولم تعد تلك الأشياء حكراً على القمصان الرسميّة للنوادي، بل صارت تظهر على شكل صور توزّع يومياً عبر الإنترنت. بالاختصار، صارت الرياضة المعاصرة نشاطاً خاضعاً لشروط الميديا الرقمية. في 2015، وضع نادي «باريس سان جرمان» الفرنسي 50 شبكة «واي فاي» في ملعبه لتكون في تصرف الجمهور الذي استخدمها في الوصول إلى إحصاءات عن المباريات واللاعبين، ومشاهدة أشرطة الفيديو ببطء لمراقبة تسجيل الأهداف أو انحياز الحكّام وما إلى ذلك. وحاضراً، يتابع ذلك النادي 26 مليون شخص على «فايسبوك»، و4 ملايين عبر «تويتر»، و6 ملايين على «انستغرام» وغيرها. وكذلك تَسَجّل 35000 على الموقع الشبكي للنادي كي يحصلوا على معلومات خاصة عن الفريق، وكذلك الحصول على أسعار مخفضة على البطاقات والقمصان. من ناحية أخرى، تستفيد الفرق من المعلومات عن المشجعين كي تستنبط طرقاً جديدة في الترويج والتسويق والإعلانات وغيرها. وبالترافق مع ذلك، ظهرت منصّات مختصة بعملية ربط المشجعين ببعضهم بعضاً، على غرار منصّة «داغ آوت. كوم» dugout.com. وتحصل المنصات على أرباح من مردود إعلانات لمواقع التواصل الاجتماعي ك «فايسبوك» و «تويتر» و «انستاغرام» وغيرها، مع الإشارة إلى أنها تعمل على مستوى معولم، وهو ما يتوافق أيضاً مع طبيعة الشبكة الإلكترونيّة الدوليّة. وفي مقلب آخر من المشهد عينه، أصبحت التطبيقات الرقمية لل «سوشال ميديا» مصدراً خصباً للبرامج التلفزيونية، بل أفرزت محتوى تلفزيونياً مختصاً بها. واستطراداً، يجدر التذكير بأن الإعلام العام هو صناعة في المقام الأول، أكثر من كونه أداة ثقافة أو ترفيه، ما يعني أن مقاييس السوق تتحكّم فيه تماماً. وتفيد مؤسّسة «نيلسون» للإحصاءات عن المشاهدة المتلفزة بأنّ حجم التفاعل في ال15 دقيقة التي تسبق المباريات الحاسمة (كال «كلاسيكو» بين فريقي برشلونة وريال مدريد) يرفع عدد المشاهدين قرابة 4 أضعاف. وتفيد تلك المعلومات المعلنين الذين يسعون لتوظيف أموالهم بالطرق التي تعود عليهم بأقصى الأرباح.