استعدت إدارة مهرجان طوكيو السينمائي جيداً للاحتفال بالدورة الثلاثين لمهرجانها الدولي (يُعقد من الخامس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر وحتى الثالث من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر). فهناك برامج خاصة عديدة تُنظم خصيصاً بهذه المناسبة، مُعظمها يحتفل بإنجازات السينمائيين اليابانيين المحلية والدولية، وهناك استعادة لأبرز كنوز السينما اليابانية. كما يواصل المهرجان الاهتمام بسينما جنوب القارة الآسيوية، والمتواصل منذ دورات عدة، وهناك احتفالات بمناسبات خاصة لهذا العام، منها واحد بمناسبة مرور خمسة وأربعين عاماً على تطبيع العلاقات الصينية اليابانية، وبداية التعاون السينمائي بين البلدين والذي ولد في ظل مناخ السّلم الجديد، واحتفال آخر بمناسبة مرور مئة عام على بدء سينما التحريك اليابانية، السينما الأثيرة عند اليابانيين، إذ لا يوجد بلد في العالم تجني فيه أفلام التحريك إيرادات عالية عند عرضها في صالات السينما كما يحدث في اليابان. افتتاح ينتظره الملايين اختار المهرجان لإفتتاحه فيلماً ينتظره ملايين حول العالم لشعبية القصص المصورة التي يستند إليها، حيث عُرض الفيلم الياباني «الخيمائي الفولاذي» للمخرج أوميهيكو سوري، والذي ينقل قصة من أجواء القصص المصورة الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته للمؤلف الياباني هيرومو أراكاوا (بيعت منها 70 مليون نسخة حول العالم منذ بدء نشرها في عام 2001 ). اشترطت الشركة المنتجة على النقاد والصحفيين الموجودين في المهرجان ومقابل مشاهدة الفيلم، التوقيع على تعهد خطي بعدم نشر أيّ أخبار عن الفيلم حتى موعد عرضه الجماهيري القريب في اليابان. على خلاف فيلم الافتتاح الضخم والذي يقدم قصة خيالية من عوالم غريبة، سيعيد فيلم الختام التسجيلي الأميركي «تتمة غير المريح: من الحقيقة إلى السلطة» للسياسي الأميركي السابق آل غور، مشاهديه إلى مشكلات البيئة والأرض التي نعيش عليها، حيث يأتي الفيلم كتكملة لفيلمه السابق «الحقائق غير المريحة» من عام 2007. يوجه المهرجان تحية خاصة إلى شخصية خيالية أخرى راسخة في الوعي الياباني المعاصر، فيعرض ضمن حفل خاص الفيلم الياباني السينمائي الأول الذي قدم الوحش غودزيلا من عام 1954، وأخرجه الياباني إشيرو هوندا، يصاحبه عزف حيّ للموسيقى التصويرية الأصلية للفيلم. وجدت شخصية الوحش الذي يقترب دائماً من تدمير المدنية الحديثة النجاح الكبير عند الجمهور الياباني، وفسر نجاحها وقتها لما تذكر به من الخراب الذي لحق باليابان في الحرب العالمية الثانية، وآثار القنبلتين النوويتين اللتين دمرتا مدينتي هيروشيما وناغازاكي. ستظهر شخصية الوحش غودزيلا منذ ذلك التاريخ في تسعة وعشرين فيلماً في اليابان وحدها، وثلاثة أفلام في هوليويود. وستنتقل الشخصية الى التلفزيون والقصص المصورة. وسيتم وإضافة إلى عرض الفيلم الأصلي، إقامة ندوة تتحدث عن الفيلم والشخصية، إلى جانب حفلة موسيقية يعزف فيها مقطوعة عن السلام، الشعار الذي سارت عليه اليابان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. تحية إلى هارا وسودربيرغ يوجه برنامج «عالم ..» في المهرجان تحيته هذا العام إلى مخرجين بدل من مخرج واحد وكما هو الحال كل عام، فيستعيد الأعمال القصيرة والطويلة لمخرج التحريك الياباني كييشي هارا، والذي تنقل في وظائف عدة في التلفزيون قبل أن يخرج في عام 2007 فيلمه الطويل الأول «أيام الصيف مع كوو». يُعَّد هارا من أبرز مخرجي التحريك المعاصرين في اليابان اليوم، وتتميز أفلامه بالعوالم الواقعية والرسومات التي تحاكي الهيئات الفعلية للبشر والقصص التي يقدمها. كما يخصص المهرجان برنامجاً آخر للمخرج الأميركي ستيفن سودربيرغ، يعرض ضمنه مجموعة من أفلامه. يتميز سودربيرغ بأنه يضع قدماً في السينما الفنيّة التي بدأ بها مسيرته مع فيلمه البديع «جنس وأكاذيب وشريط فيديو» (فاز عنه بجائزة مهرجان كان في عام 1989)، وأخرى في السينما الهوليوودية، التي أخرج فيها سلسلة أفلام العصابات «أوشين» من بطولة حفنة من النجوم المعروفين منهم جورج كلوني ومات ديمون وبراد بيت. وكجزء من احتفاله بمرور ثلاثة عقود على انطلاقه، يفسح المهرجان المجال لمجموعة من أبرز المواهب السينمائية الآسيوية لانتقاء أفلامها المفضلة من بين الأفلام الآسيوية الحديثة للعرض في برنامج خاص باسم «كروسكت». فوقع اختيار المخرج الفليبيني المعروف بريلانتي ميندوزا على فيلم «كريستو» لمواطنه المخرج هف يامباوي، وصوَّتت الممثلة الماليزية شريفة أماني لفيلم «أبطالي الخارقين» للمخرج الماليزي إيرك ونج، وانتقى المخرج التايلندي وأحد الفائزين بسعفة مهرجان كان السينمائي الذهبية آبيشاتبونغ ويراسيتاكول فيلم «في أبريل من السنة التالية، كان هناك حريق» للمخرج التايلندي ويتشانون سومومجارن. في المقابل، تقدم المخرجة اليابانية المعروفة ناعومي كاواسي أفلام برنامج «اليابان اليوم»، وهي التظاهرة التي بدأت عام 2015، وتجمع اتجاهات فنيّة مختلفة، إذ تُعرض ضمن البرنامج أفلام مخصصة للعروض الجماهيرية الواسعة، إلى جانب الأفلام الصغيرة والتجريبية. وبرنامج «اليابان اليوم» ليس الوحيد الذي يقدم السينما اليايانية في مهرجان طوكيو، فهناك برنامج آخر بعنوان «يابان سينما سبلاش»، وتظاهرة لكلاسيكيات السينما اليابانية، إضافة إلى الأفلام اليابانية التي تعرض في مسابقة المهرجان الرسمية، وتظاهرات أخرى. كما سيُعرض للمخرجة اليابانية كاواسي ذاتها جديدها الذي يحمل عنوان «هيكاري»، والذي كان أحد أفلام المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي. تحية إلى الميوزيكيل تَقَدَمَ 1538 فيلماً من 88 بلداً للاشتراك في مسابقة المهرجان الرسمية، واختير منها 15 فيلماً منها للمسابقة، في إشارة إلى الشعبية المتزايدة للمهرجان في أوساط السينمائين وشركات الإنتاج. ينتقي المهرجان بالعادة أفلاماً أولى أو ثانية لمخرجين جدد، محاولاً الحصول على العروض العالمية الاولى لأكبر عدد ممكن من الأفلام المشاركة في مسابقته الرسمية (ثمانية أفلام من بين الأفلام المتنافسة تبدأ رحلتها العالمية من طوكيو). يُدير لجنة التحكيم في المهرجان الممثل والمخرج الأميركي تومي لي جونز، وتتألف من: المخرج والمنتج الإيراني رضا ميركاريمي، الممثلة الصينية تشاو وي، المخرج الفرنسي مارتن بروفوست، الممثل الياباني ماساتوشي ناجيس. وإلى جانب المسابقة الرسمية، هناك برنامج «وولود فوكس» الذي يضم أفلاماً من حول العالم، عُرض أغلبها في مهرجانات سينمائية معروفة، كفيلم «انيسيرتيد» للمخرج البلجيكي فيليسب فان ليو والذي يقدم قصة عن عائلة سورية محاصرة وسط الحرب العنيفة المتواصلة منذ سنوات في البلد العربي، وفيلم «دع الشمس تدخل» للمخرجة الفرنسية كلير دينيز، والذي تلعب فيه الممثلة الفرنسية المعروفة جوليت بينوش دور فنانة مُطلقة تبحث عن الحب. كما يخصص المهرجان تظاهرته «مستقبل آسيا» للأفلام الآسيوية (تغيب الأفلام العربية عن هذه التظاهرة كما تظاهرات وبرامج المهرجان الآخرى)، حيث يعرض عشرة أفلام منها فيلم عن الأحداث السياسية الأخيرة في تركيا، التي يستعيدها فيلم «تقسيم هولديم» للمخرج التركي ميشيل اوندر، عن شاب يسكن قريباً من ميدان تقسيم الشهير في مدينة اسطنبول، والذي سيفاجأ بأمرأة هاربة من المواجهات مع قوات الأمن التركية تطلب اللجوء في شقته. ومن البرامج التي يتوقع أن تحظى بشعبية كبيرة بين جمهور المهرجان، برنامج «تحية الى الميوزيكيل»، والذي سيعرض مجموعة من أبرز الافلام الغنائية الموسيقية من تاريخ السينما، على صدارتها فيلم «صوت الموسيقى»، وأفلام كلاسيكية اخرى منها: «شبح الأوبرا» و «ساحر أوز» ، والأفلمة الهوليوودية الأخيرة لقصة «البؤساء» لفيكتور هزغو، وفيلم «الحسناء والوحش» ... وضمن استعاداته لتاريخ السينما، يُعرض ضمن الدورة الثلاثين من المهرجان مجموعة من النوادر من بدايات السينما الصامتة التي يضمها متحف «جورج ايستمان» في الولاياتالمتحدة. كما سيعرض مونتاج قصير من جميع المواد الصورية التي أنجزها الأخوان الفرنسيان لوميير، مكتشفا السينما وفق معظم المؤرخين.